عادي

«القبة الحرارية» ترد الاعتبار لصاحب «العمارة الخضراء»

19:00 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: «الخليج»

أعادت موجة الطقس الحارة التي يتعرّض لها العالم، وفي مقدمتها المنطقة العربية، الحديث مجدداً حول الفلسفة المعمارية البيئية، التي أطلقها عبقري البناء المصري حسن فتحي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، والتي دشّنت بعد ذلك لظهور عشرات من المدارس الفكرية الجديدة، التي ظهرت على مدار عقود، في العديد من الجامعات والمعاهد العليا المتخصصة في فنون العمارة، والتي كانت تنطلق من رؤية جديدة لاستبدال أساليب العمارة الحديثة بفنون العمارة البيئية، لمواجهة التغيرات الحادة في المناخ على كوكب الأرض.

الصورة

تصدّرت أنباء عمليات التطوير والترميم التي تخضع لها قرية «القرنة الجديدة» في الأقصر جنوب مصر مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبارها النموذج الأبرز للمعماري الكبير الراحل، وقد أسسها في عام 1946، بتكليف حكومي، لتكون سكناً لأهالي القرنة القديمة، بعد اكتشاف الحكومة المصرية حينذاك تورّط أعداد كبيرة منهم في التنقيب غير الشرعي عن الآثار في البر الغربي. وقد استلهم فتحي في بنائها تقنيات وأساليب البناء في العمارة الصعيدية والنوبية، التي تعتمد طمي النيل في البناء، مع إضافة بعض المكونات البيئية الأخرى إليه، وفقاً لمبادئ التصميم وأساليب البناء والاحتياجات الحديثة، وهي العلاقة التي يقول كثير من خبراء العمارة إن حسن فتحي كان يؤمن بها وبضرورة تزاوجها مع عمارة الماضي.

الصورة

كان أبرز ما تميزت به عمارة حسن فتحي، التي أطلق عليها في حينها «عمارة الفقراء»، قبل أن تتحول بعد عقود إلى واحدة من أكثر الأساليب المعمارية التي يُقبل عليها كثير من الأثرياء في بناء بيوتهم الريفية، أو تلك التي تتصدر العديد من المنتجعات السياحية في العالم، أنه استبدل في تصميماته المواد الطبيعية المستخرجة من البيئة بطرق البناء الحديثة التي تعتمد على الأسمنت والحديد وخلافه، فبنى بيوت القرنة في الأقصر بالطين الأسواني، وقرية باريس في الواحات بالطوب الطفلي وغيره من الأحجار التي تنتشر في تلك البيئة الصحراوية، معتمداً في هذا النظام الهندسي البديع على ما يُعرف بالحوائط الحاملة في البناء، حيث لا حاجة إلى الأعمدة أو البلاطات الخرسانية، ولا حاجة أيضاً إلى أجهزة التبريد بمختلف أنواعها، فالسقوف المبنية بالطوب على شكل قباب وأقبية، فضلاً عن النوافذ العالية، ستقوم بالمهمة كاملة، لا كعنصر إضاءة رئيسي في تلك البيوت فقط، وإنما أيضاً كنظام متكامل للتهوية، إلى جانب المشربيات وما يُعرف في فنون تلك العمارة بملاقف الهواء.

الصورة

قامت فلسفة حسن فتحي في عمارته الفريدة على إيمان راسخ بأن العمارة أكثر من مجرد شكل لافت أو تصميم مغاير، وإنما هي رؤية متكاملة ترتبط بالبيئة المحيطة عبر الاستعانة والاعتماد على المواد المتوفرة، مع مراعاة عوامل المناخ البيئية في التصميمات، وفي صميمها التحكم في درجات الحرارة، عبر تحديد اتجاه البيت وموقعه بالنسبة للشمس وحركة الرياح، إضافة إلى تحديد مواقع الفتحات وارتفاعاتها، مستلهماً في ذلك أساليب تعود في قدمها إلى العمارة الفرعونية، وهي الأساليب التي نجح من خلالها في توفير نظم تكييف طبيعية لساكني تلك البيوت، عبر حلول بيئية بسيطة توفر الكثير من النفقات، التي يمكن أن يتحملها السكان عند اتباع وتقليد الأنماط المستوردة في البنايات الحديثة.

الصورة

لعب اعتماد حسن فتحي في عمارته البيئية على السقوف المنحنية والأقبية والقباب دوراً كبيراً في التغلب على مشاكل ارتفاع درجات الحرارة داخل البيوت، وقد تجلى ذلك في اعتماده في هذا اللون من فنون العمارة على الأبواب والنوافذ المرتفعة التي توفر ما يعرف بمساقط الهواء داخل المنزل، فتعمل على تبريده دون حاجة إلى استخدام مختلف أنواع المبردات.

الصورة

غادر حسن فتحي مصر في نهاية الخمسينيات، ليعمل في أثينا، فأنشأ معهد «أوتوستيك» الذي يعني «علم الاستيطان»، بمشاركة المعماري اليوناني «دوكسياريس»، قبل أن يعود إلى مصر استجابةً لدعوة الرئيس جمال عبد الناصر، الذي طلب منه أن يتولى الإشراف على تطوير نمط عمارة وطني خاص بمصر، يكون ملائماً لعموم الشعب المصري، فشرع في بناء قرية «باريس» في منطقة الواحات التابعة لمحافظة الوادي الجديد، واستخدم فتحي في بنائها نوع الحجارة الصحراوية المتوفرة في المنطقة، والتي يطلق عليها السكان المحليون «الطفلة»، ونجح فتحي في تجربته الجديدة في أن يصل إلى أقصى حد ممكن علمياً، في التحكّم في درجات الحرارة داخل البيوت، بعدما نجح وفق طريقته المعمارية في خفضها بمعدلات بلغت 15 درجة مئوية، عبر استخدام أساليب تهوية طبيعية تعتمد على القباب، وملاقف الهواء، والنوافذ المرتفعة.

الصورة

توقّف مشروع حسن فتحي في الواحات بعد نكسة يونيو عام 1967، بسبب نقص التمويل، ما دفعه إلى مغادرة مصر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ليشرع في تنفيذ مشروع جديد في ولاية «نيومكسيكو»، تمثّل في بناء قرية لمنظمة «دار الإسلام» المجاورة لمدينة «سانتافي»، استخدم في بنائها «الطوب اللبن» وهو مزيج من الطين والرمل والقش والماء، وقد اعتبرت الصحافة الأمريكية مشروعه وقتها ثورة في أساليب البناء والعمارة، فاعتمد طريقته أكبر كليات ومعاهد العمارة في أمريكا وأوروبا، وأدرجته ضمن خططها الدراسية، فيما أصبح يُعرف لاحقاً باسم العمارة الخضراء الصديقة للبيئة.

الصورة
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/tacvfthv

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"