صناعة النشر في الإمارات

00:46 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

تُعدّ صناعة الكتاب في الإمارات، إضافة جديدة إلى تنويع مصدر الدخل في إطار الاستراتيجية الاقتصادية التنموية، التي تهدف إلى إيجاد مجتمع المعرفة، والاستعداد لمرحلة يتم فيها الاستغناء عن النفط، كمصدر رئيسي للدخل. وفي الواقع، لقد قطعت الدولة مشواراً طويلاً ومهماً في التنويع، عن طريق تطوير الصناعات غير النفطية، وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودعم الكفاءات والموهوبين والمخترعين، والإحصاءات متوفّرة في المنصات الحكومية ذات الاهتمام.

وتُعدّ صناعة النشر حديثة مقارنة ببقية الصناعات، ونعني بها دخول القطاع الخاص ميدان النشر، حيث ظل متردّداً حتى غامر عدد من المثقفين والمبدعين والمهتمين بالكتاب والثقافة، وأسسوا دور نشر وطباعة أو دور نشر وتوزيع. وقد كانت صناعة النشر المحلية، بمعنى إنتاج الكتاب ونشره، مقتصرة على الاتحادات والجمعيات ذات النفع العام أو الوزارات. ومن المبهج حقاً أن نرى دور نشر إماراتية تقود صناعة نشر حقيقية، وتسهم في رفد استراتيجية تنوّع الدخل، ومن المبهج رؤية الإقبال المميز على أجنحتها في معارض الكتب. وإضافة إلى دور النشر المحلية في التنويع الاقتصادي، فإنها قامت ولا تزال باستقطاب الكتاب والكاتبات من أبناء وبنات الإمارات، وتوفير الرعاية لإبداعاتهم فنياً وفكرياً وتسويقاً وإشهاراً، بعد أن كان كثيرون يطبعون مؤلفاتهم خارج الإمارات، ولن نتحدث هنا عن مستوى تلك المؤلفات، إذ من الطبيعي أن تتباين وتختلف تبعاً لإمكانات كل كاتب أو مبدع.

وصناعة النشر كأي صناعة أخرى، تهدف إلى تحقيق الربح، وهو هدف مشروع، إلا أن هذا المجال له طبيعة خاصة، هكذا يفترض المثقفون، طبيعة ذات صلة بالثقافة وقيمها، وبالإبداع وقيمه، وأي ناشر يتحدث في المادة يُعدّ تاجراً، وصفة الناشر التاجر سلبية بشكل عام، إذ كما يرى المثقفون، يمكنه أن يتاجر بأي شيء إلا في الثقافة والإبداع، وهنا مربط الفرس كما يقال، وهذا الاستنتاج، من قبل المثقفين، يعود إلى عدم حصولهم على مردود مادي لكتاباتهم، ولا يعدون ذلك تجارة. وهنا نحن في حاجة إلى تصحيح بعض المفاهيم، أولها أن دار النشر تختلف عن دار الطباعة؛ فالأولى، تنشر وتسوّق وتشهر الكاتب وتقدم له حقوقه وتقدمه للساحات الثقافية محلياً وخارجياً، أما الثانية فينتهي دورها عند طباعة الكتاب فقط. وتخلط دور النشر بين المفهومين، ما أدّى بشريحة من الكتاب إلى أن تطبع كتبها وتقوم بتوزيعها.

قرأت أكثر من تحقيق في صحفنا المحلية عن التحديات التي تواجهها صناعة النشر في الإمارات، وفي الواقع، هي تحديات عربية أيضاً، وأهمها التوزيع، حيث يأخذ الموزّع نسبة كبيرة من سعر بيع الكتاب، قد تصل إلى 70%، وهذا ينعكس على كلفات الطباعة وتسعير الكتاب، لنصل إلى مشكلة حقيقية تتعلق بالقدرة الشرائية لدى جمهور القراء، ولهذا طالب بعض الناس بتدخل الحكومة، وتوفير الدعم للناشر، وهو أمر جدلي.

الكتاب سلعة كأي سلعة أخرى يتم تداولها في السوق، وهي في حاجة إلى تسويق حقيقي لتصل إلى المستهلك، وهذا التسويق الحقيقي يشمل الإعلان عن المنتج، وإقامة ندوات ترويجية أو فكرية عنه، وتكليف كبار المختصين للكتابة عنه، وباختصار، حتى يصبح المنتج أو السلعة، حديث الناس، وهذه العملية من صلب وظيفة ومهام دور النشر. وبسبب عدم ترجمة هذا على أرض الواقع، تقع الإشكاليات والمشاكل وتستمر التحديات.

أرى أن الكاتب الإماراتي المبدع والمميز ومثيله العربي في أي مكان، يستحق تبنّيه من قِبل دور النشر، وتحمّل كافة المسؤوليات لحمله إلى المعارض والمحافل الثقافية، وهذا دورها الحقيقي، هكذا تفعل دور النشر العالمية. ولا نعتقد أن الاعتماد على الحكومة وتدخلها قد يحل المشكلة، لأن إنشاء دار نشر هو قبول للتحدّي من أجل القيام بدور ثقافي ووطني متميز.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4ecsst6j

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"