تقييد بكين لا يخدم مصالح واشنطن

21:25 مساء
قراءة 3 دقائق

داويد ويكتور *

في عصر تتجاوز فيه التكنولوجيا الحدود وتتسارع عجلة التقدم العالمي، من الأهمية بمكان تعزيز التعاون وفتح قنوات الابتكار لا إغلاقها. وقد يتوهم البعض أن محاولات الولايات المتحدة المتجددة لتقييد وصول الصين إلى الحوسبة السحابية وأشباه الموصلات، استراتيجية قابلة للتطبيق لحماية المصالح الوطنية، لكن التحليل الأعمق للأمر يكشف عن العيوب المحتملة والفرص الضائعة التي تجلبها مثل هذه القيود.

لذا، فإنه وبدلاً من عزل الصين، يجب على الولايات المتحدة تبنّي منطق التعاون والسعي إلى شراكات متبادلة المنفعة في مجال التكنولوجيا. ومن خلال القيام بذلك فقط، يمكن لواشنطن ضمان استمرار التقدم، والمساهمة في دفع النمو الاقتصادي، وخلق مستقبل أكثر شمولية وازدهاراً.

وإذا تم اعتماد القواعد الجديدة، فمن المحتمل أن يُطلب من مزودي الخدمات السحابية في الولايات المتحدة، مثل «أمازون» و«مايكروسوفت»، الحصول على إذن من الحكومة الأمريكية قبيل تقديم خدماتهم التي تستخدم شرائح الذكاء الاصطناعي المتقدمة إلى العملاء الصينيين.

وفي أحدث ردّ لها على خلفية نزاع متصاعد مع الولايات المتحدة بشأن الوصول إلى الرقائق الدقيقة عالية التقنية، قالت الصين إنها ستفرض ضوابط جديدة على صادرات بعض المعادن المستخدمة على نطاق واسع في صناعة أشباه الموصلات، وستتطلب من المصدّرين الحصول على إذن لشحن بعض منتجات الغاليوم والجرمانيوم، وكلاهما يستخدم بكثافة لإنتاج أشباه الموصلات من الفئات اللازمة لتطوير الذكاء الاصطناعي.

إن التطورات التكنولوجية في عالم اليوم تعتمد على التعاون وتبادل الأفكار عبر الحدود، وهنا تعد الحوسبة السحابية وأشباه الموصلات من الركائز الأساسية للثورة الرقمية التي تمكّن الشركات والحكومات والأفراد من الازدهار في العصر الرقمي هذا، ومن شأن الحواجز الموضوعة أمام وصول الصين إلى هذه التقنيات أن تعيق التدفق الحر للمعرفة، وتفرمل جهود التقدم العالمي.

وبالتالي، يجب على الولايات المتحدة إعطاء الأولوية لتشييد جسور التواصل بدلاً من جدران القطيعة، وتعزيز بيئة تشجع التعاون بين الدول والحكومات.

لا نقول هنا إن مخاوف الأمن القومي غير مهمة، بل هي عامل حساس ويؤخذ في الاعتبار قطعاً، ولكن من الضروري اتباع نهج شامل لمعالجتها بشكل فعال، عوضاً عن الحمائية السلبية واتباع سياسة القطب الواحد. وما سياسة الاعتماد على القيود والعقوبات إلا مجرد استراتيجية قصيرة النظر تُقوض إمكانية الحوار البنّاء وتفاقم المشكلات لا تحلها.

وبدلاً من محاولة إحباط التطور التكنولوجي الصيني، يجب على الولايات المتحدة أن تبذل مزيداً من الجهود للحوار معها، وإنشاء أطر للتعاون تحمي المصالح الوطنية للطرفين، والأمن العالمي ككل. ويمكن للمساعي التعاونية أن تمكن من وضع معايير مشتركة وتعزز الشفافية، وتحسن تدابير الأمن السيبراني، ما يعود بالفائدة على النظام البيئي التكنولوجي الأكثر أماناً للجميع.

إن براعة الصين التكنولوجية لا يمكن إنكارها، وقد برزت كرائد عالمي في العديد من المجالات، بما في ذلك الحوسبة السحابية وأشباه الموصلات. وعوضاً عن الخوف من هذا التقدم، على الولايات المتحدة أن تدرك الفرص الاقتصادية التي تكمن في التعاون. حيث يمكن للشركات الأمريكية أن تكسب الكثير من خلال التعاون مع نظيراتها الصينية، بما في ذلك الوصول إلى السوق الهائل، وقاعدة المستهلكين الضخمة، وتعزيز الابتكار.

كما سيسمح التعاون الاستراتيجي الممنهج بين الشركات الصينية والأمريكية بالازدهار، وسيخلق فرص العمل على طرفي الحدود، الأمر الذي سيصب، ليس في مصلحة اقتصاد البلدين فقط، بل في خانة الاقتصاد العالمي الأوسع.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن محاولات إدارة بايدن تقييد وصول الصين إلى الحوسبة السحابية وأشباه الموصلات لن يؤدي إلا إلى الإضرار بالشركات الأمريكية، وإعاقة التقدم التكنولوجي، ما يقوض القدرة التنافسية العالمية لواشنطن.

ويمكن أن يكون التعاون التكنولوجي بمثابة حافز أيضاً لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين الدول، والتعامل مع الصين بشأن المصالح التكنولوجية المشتركة يعزز بيئة الثقة والتعاون. ومن خلال تفعيل الحوار المفتوح والمناقشات المهمة حول الخصوصية وحماية البيانات وحقوق الملكية الفكرية، يمكن للولايات المتحدة معالجة مشاكلها الاقتصادية، ما يضمن ترسيخ القيم المشتركة واحترامها.

في عالم مترابط بشكل متزايد، سيكون تحييد الصين وتقييد وصولها إلى تقنيات الحوسبة السحابية وأشباه الموصلات خطوة عكسية إلى الوراء.

كما لا يجب السماح للخوف أو المنافسة غير المشروعة بعزلنا عن بعضنا بعضاً، ومن المهم بمكان، تبنّي التعاون ولا شيء غير التعاون. ومن خلال الانخراط مع الصين في تطوير هذه التقنيات، ستكون للولايات المتحدة مساهمتها الخاصة في رسم مستقبل الابتكار، وتعزيز الأمن القومي والنمو الاقتصادي.

* الرئيس التنفيذي لمجموعة «ميديا سكوب» ورئيس غرفة التجارة الإستونية الصينية

* تشاينا ديلي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ykh67r2v

عن الكاتب

الرئيس التنفيذي لمجموعة «ميديا سكوب» ورئيس غرفة التجارة الإستونية الصينية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"