بينهم أيضاً بؤساء

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

حين تستشهد بالأزمات الاقتصادية التي تمر بها دول كبرى في أوروبا للدلالة على أنها أزمة عالمية وأن ما يحصل في العالم يحمل حقائق معيشية مرّة لا يتخيلها الساكن في بلد عربي يعاني الأزمة نفسها، يقولون إنك تبالغ؛ وحين تستغرب ما تتداوله المواقع الإخبارية على صفحاتها على السوشيال ميديا من مقاطع مصورة لسرقات جماعية وفي وسط النهار لمحال كبرى وعلامات تجارية مشهورة في أمريكا، يقولون إن السبب هو الفوضى الأمريكية. 
العالم يمر بأزمات كبرى سواء اقتصادية أو مناخية وبيئية تضاف إلى الأزمات السياسية التي تدير الكوارث وتحركها بمختلف الاتجاهات ووفق المصالح الضيقة.. ولم يعد «الكبار» بمنأى عن تلك الأزمات بل تعانيها شعوبهم وتكشف الأرقام بعض الوقائع والحقائق المخيفة، مثل ذلك الاستقصاء الذي أجرته جمعيات خيرية في المملكة المتحدة، منها جمعية «باتل يوكي» الخيرية، لتكشف عن واقع مرير يعانيه الأطفال والعائلات في عدة مناطق في المملكة، حيث شمل الاستطلاع نحو ١٢٤٠ شخصاً من إنجلترا واسكتلندا وإيرلندا الشمالية وويلز، منهم العاملون في مجال رعاية الأطفال، والذين أكدوا أن هناك ١٢٠ ألف طفل يعيشون في حالة فقر مدقع ما يضطرهم إلى سرقة الطعام!. 
وكأنما نرى أمامنا جان فالجان يقفز من رواية «البؤساء» التي كتبها عام ١٨٦٢ الرائع فيكتور هوغو! لم نتخيل أن يبقى في العالم المتحضر فقراء بؤساء وعائلات يمتنع فيها الآباء عن تناول الطعام ليوفروه لأبنائهم، ولم نتخيل أن يتحاشى أطفال الذهاب إلى المدرسة خوفاً من تنمر زملائهم وخجلاً لأنهم لا يملكون الملابس إلا تلك الممزقة التي تستر أجزاء من أبدانهم، وأحذيتهم بالية، أو لا يملكون المال لشراء الطعام فكيف يذهبون إلى المدرسة؟ 
يقول الاستطلاع إن الوضع قد ساء منذ العام الماضي، حيث ارتفعت معدلات الفقر المدقع بين الأطفال والشباب بشكل ملحوظ، أي بنسبة ٦٠ في المئة من الأطفال الذين تتعامل معهم الجمعية يعيشون في فقر مدقع، بينما كان ٤٥ في المئة في العام ٢٠٢٢ و٣٦ في المئة في العام ٢٠٢١! بل وتقول الجمعية الخيرية إن «٥٧٪ من العائلات التي تحاول مساعدتها لا تستطيع شراء ما يكفيها من الطعام، كما يعيش ٦٣٪ منها بلا أسرّة وأرائك وأجهزة منزلية أساسية».. وطبعاً بلا وسائل للتدفئة في الشتاء. هل يعقل أن يكون هذا حال عائلات وأطفال وشباب يعيشون في بريطانيا؟ 
نعم، للفقر أنياب تنهش لحم البشر أينما كانوا، ولا فرق بين فقير في بلد شرقي أو غربي، الكل سواسية أمام الفقر والقهر والجوع، والكل مطالب بإيجاد حلول بعيداً عن المطامع السياسية، لأن من حق كل إنسان أن يعيش على هذه الأرض بسلام.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2hy2a9w8

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"