المجلس الاتحادي والمواطنة المسؤولة

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول *

في ظل تطلع صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وإخوانه حكام الإمارات إلى تطوير دور المجلس الوطني الاتحادي، لتعزيز أسس دولة القانون، وتقوية منهج الشورى في إدارة الشأن العام، انطلق الماراثون الانتخابي لعضوية المجلس، في 15 أغسطس/آب الجاري بتسجيل المرشحين لعضوية المجلس. ثم أُعلنت القائمة الأولية للمرشحين في 25 منه، على أن يتم إشهار القائمة النهائية في 2 سبتمبر/أيلول، وإجراء الانتخابات في 7 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

انطلقت عملية تحديث المجلس الوطني الاتحادي، في مرحلة التمكين، وهي العملية التي اشتملت على أربعة أبعاد، وهي: إنشاء جهة تتولى مسؤولية الإشراف على تطوير المجلس وتفعيل أدائه ودوره، وتبنِّي نمطٍ من الانتخابات الجزئية غير المباشرة في اختيار أعضاء المجلس وتشكيل اللجنة الوطنية للانتخابات كي تتولى الإشراف عليها، وتمديد مدة المجلس من سنتين إلى أربع سنوات، وتفعيل دوره في مناقشة المعاهدات والاتفاقيات الدولية قبل التصديق عليها، ورفع نسبة تمثيل النساء في المجلس الوطني الاتحادي إلى 50%.

وعليه، تم استحداث وزارة الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي عام 2006 لتتولى الإشراف على عملية تطوير المجلس، والتنسيق بين المجلس والحكومة. وكذلك، تم تأسيس اللجنة الوطنية للانتخابات في العام نفسه للإشراف على سير الانتخابات، وتحديد المراكز الانتخابية، وتنظيم أسماء الهيئات الانتخابية، وتحديد المدة الزمنية للترشح، والنظر في الطعون الانتخابية، ومتابعة الالتزام بمواثيق الشرف الانتخابي.

والواقع أنّ وجود جهة تتابع عملية تطوير المجلس الوطني الاتحادي، ولجنة تتولى الإشراف على الانتخابات، يعد خطوة مهمة على طريق الإصلاح السياسي، فوجودهما يعطي انطباعاً للمتابعين والمراقبين وأفراد المجتمع بأنّ القيادة السياسية لديها الرغبة الفعلية في مواصلة التطوير السياسي. كما أن وجود الوزارة ضروري من أجل العمل على بناء أسس سليمة لعملية التطوير السياسي للمجلس، ووجود اللجنة من شأنه الإسهام في تطوير ثقافة سياسية، خاصةً في ما يتعلق بموضوع الانتخابات.

أما في ما يتعلق بنمط الانتخابات الجزئية غير المباشرة، فتعني انتخاب نصف أعضاء المجلس من قبل هيئة انتخابية تتكون من مواطني كل إمارة تتم تسمية أعضائها من قِبل حاكم الإمارة، وتختار هذه الهيئة من بين أعضائها عن طريق الانتخاب المباشر نصف عدد أعضاء المجلس المحدد للإمارة بحكم الدستور، ويتم تعيين النصف الآخر من قبل حاكم الإمارة. وتتكون الهيئة الانتخابية في كل إمارة من عددٍ من المواطنين لا يقل عن ثلاثمائة ضعف العدد الدستوري لأعضاء كل إمارة في المجلس دون حدٍ أقصى. ويُعطى حق الترشح والتصويت لأعضاء الهيئة الانتخابية.

وفي عام 2019، أصدر المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، قراراً برفع نسبة تمثيل النساء في المجلس الوطني الاتحادي إلى 50%، وفقاً لآلية اختيارية، تحدد بموجبها دواوين حكام الإمارات المقاعد المخصصة للنساء، سواء بالانتخاب أو التعيين، وتعلنها اللجنة الوطنية للانتخابات. وقد حددت أبوظبي ودبي وعجمان والفجيرة وأم القيوين كوتا انتخابية للمرأة (مقعدين في أبوظبي ودبي، ومقعد واحد في الإمارات الثلاث الأخرى، من المقاعد المخصصة في المجلس لكل إمارة)، فيما لم تحدد أي مقاعد للنساء عن طريق الانتخاب في إمارتي الشارقة ورأس الخيمة. وعليه، فإن إمارتي الشارقة ورأس الخيمة ستستخدمان أسلوب التعيين لإتمام نسبة ال50% من عضوية النساء في المجلس، في حين ستستخدم بقية الإمارات أسلوب الجمع بين الانتخاب والتعيين لاستكمال نسبة ال50% من المقاعد المخصصة للنساء في تشكيل المجلس.

وعلى مدى 17 عاماً، كانت السمة الغالبة لتطوير المجلس الوطني الاتحادي هي الاعتماد على التدرج في إحداث التطوير، أو اتباع أسلوب الخطوة خطوة، والابتعاد عن أسلوب التطوير الجذري أو المفاجئ. والواقع أنّ التطور السياسي التدريجي هو الأفضل والأكثر مناسبةً مع مجتمع الإمارات. وفي ظل هذه الرؤية الحكيمة، عقدت أربع تجارب انتخابية للمجلس أعوام 2006، 2011، 2015، و2019.

وها هي الانتخابات الخامسة على الأبواب، والتي ربما تشهد زيادة دور المجلس الوطني الاتحادي ليشمل اختصاصات تشريعية ومزيداً من الصلاحيات السياسية والرقابية والمالية. لذا، ومن منطلق المواطنة المسؤولة، يجب علينا كمواطنين أن نرتقي بارتقاء ما حققته دولتنا وبما تتطلع إليه مستقبلاً على كافة المستويات، وذلك من خلال التدقيق في اختيار مرشحينا استناداً إلى عدة أسس منها العلم والمعرفة التي يمتلكها المرشح، وخبرته «طويلة الأمد وعميقة الأثر» في الشؤون العامة أو إدارة الأعمال والمؤسسات، وتاريخه الممتد في خدمة الوطن والمواطن. بهذا يمكن أن نثبت أن مواطنتنا أمانة وأننا قد أعطينا الوطن حقه.

[email protected]

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yck5jdat

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"