إلى المغرب سلام

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن
لم أكن قد تصفحت الأخبار بعد. كنت على وشك أن أشرب قهوة الصباح، حين أبلغني صديقي أن زلزالاً مروّعاً ضرب بلدات ومدناً في المغرب. سارعت لفتح التلفزيون. كانت المحطات الإخبارية في بث مباشر من الأماكن التي أصابها الزلزال، والمشاهد الظاهرة مروعة وتبعث في النفس الألم. ومع الساعات تتوالى الإفادات عن الارتفاع المستمر في أعداد الضحايا. في لحظة مثل هذه تدرك أن الوجع الإنساني واحد، فما بالك أن المصيبة قد حلت ببلد شقيق غالٍ على النفس، تجمعنا به أواصر الأخوة والحضارة الواحدة، رغم تباعد المسافة، ونحن الذين نعلم خير العلم مكانة المغرب ودور أهلها في تطور حضارتنا العربية وإغناء ثقافتنا؟

أمسكتُ الموبايل لأكتب لمن لديّ أرقامهم من أصدقاء في المغرب، وبعضهم يعيشون في مناطق طالها الزلزال، كمراكش ومحيطها مثلاً. بعد حين لم يطل أتتني من بعضهم تطمينات أنهم بخير، ولكن هول المصيبة كبير. عرفت أنهم لم يناموا الليل، وأن الشوارع اكتظت بمن هرعوا من منازلهم حين شعروا بارتدادات الهزة التي أوقعت بيوتاً على ساكنيها، أصبحت جثثهم تحت الأنقاض، فيما فرق الإنقاذ تبذل كل ما في وسعها لإخراجهم من تحتها، أحياء أو أمواتاً.

من زار مدن المغرب المختلفة، أو حتى بعضها، سيدهشه ما لهذا البلد الغالي من مكانة في تاريخنا وثقافتنا وحضارتنا وحاضرنا، بمبدعيه ومفكريه وفنانيه، وبطراز المعمارة المميز الذي يسمه، كأننا في نسخة معاصرة من الأندلس التي كانت، ونعلم أن في النسيج الحضاري الأندلسي يتداخل المشارقي مع المغاربي في تلاقح فريد من نوعه، صهرته البيئة الأندلسية المحلية، وللمغرب، بالذات، يعود فضل كبير في الحفاظ على الكثير من أوجه هذا النسيج، في مجتمع هو ذاته نتاج تفاعل بين الجذر الأمازيغي والمكوّن العربي – الإسلامي.

كان كتّاب وفنانون أوروبيون كبار يهربون من ضجر قارتهم وجنونها وغطرستها إلى دفء يجدونه في مدن المغرب: مراكش، أو طنجة التي يبلغونها بقطع مياه المتوسط باتجاه الضفة الأخرى منه، اقرأوا في تاريخ مقهى «الحافة» في طنجة لتعرفوا كم من الأسماء الأوروبية، لأدباء وفنانين قصدوه ووقعوا في أسره.

وإلى مراكش أتى مثلاً الألماني هانس فيرنر غوردتس الذي سكنته هواية الرسم مذ كان صبياً. حين بلغ المدينة الساحرة في الثالث والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 1964، وهو الرحالة، قرر إيقاف أسفاره والتفرغ للعيش فيها. غدت مراكش عشقاً نهائياً له. ألِف أن يجلس في مقاهيها ويتأمل حشود البشر، مستوحياً منها مادة خلاقة وثرية لرسوماته.

مواساتنا الكبيرة لأشقائنا في المغرب الشقيق، وصادق الدعاء بالرحمة لأرواح الضحايا والشفاء للمصابين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ye2xhzbp

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"