الأوطان أيضاً تربي

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

مَنْ الذي يربي الأبناء؟ الأهل أولاً هذا أمر طبيعي، لكن الدائرة تتسع أكبر من ذلك بكثير، فكلما احتك الأطفال بمحيطهم خارج إطار الأم والأب، ازدادت البصمات التي تطبع فيهم علامة ما، وكلما ساروا على درب الحياة خطوة، تعلموا دروساً منها البسيط ومنها القاسي؛ إنما هناك «المربي» الذي لا ننتبه إلى أهمية دوره أحياناً، أو لا ننتبه إلى أنه شريك في تربية الأبناء ورعاية الأجيال، وهو الوطن. 
المدرسة تربي، نعم، ولها دور مؤثر وكبير، لكن للوطن دوراً مهماً أيضاً في تنشئة أجيال ناجحة، طموحة، راغبة في مزيد من العلم، ومزيد من التقدم، تزدان باسم وطنها، وتتباهى أمام العالم، بأنها تنتمي له وتحمي اسمه وتمثله أينما ذهبت ومهما فعلت.. 
هناك أوطان تهجر أبناءها قبل أن يهجروها، تتخلى عنهم، بسبب سوء إدارتها، وبسبب غياب وعي وضمير المسؤولين فيها، وبسبب الأطماع التي تنهش في جسدها، فلا يعود للطموح مكان ولا للأمل مكان، الكل يعيش على ذكريات الماضي وأنقاض الحاضر بلا أي رؤية للمستقبل؛ أوطان تتألم من كثرة المؤامرات عليها ومن الاتجاهات كافة، فيضيع الأبناء ولا يجدون أمامهم نافذة يتنشقون من خلالها الهواء النظيف، ويستعيدون الأمل الذي يليق بآمالهم وعنفوانهم وحماستهم.. سوى نافذة السفر وخوض المغامرات بعيداً عن أحضان الأم والأب والعائلة، ودفء الذكريات والأماكن، وصحبة أصدقاء الطفولة والمدرسة والجامعة. 
قليلة الأوطان التي تربي أجيالاً وتحيطهم برعايتها أينما كانوا في الداخل والخارج، وتسبقهم إلى الحلم فتقودهم بنفسها إلى التطور والاجتهاد والابتكار، تفتح أمامهم الأبواب، ليخوضوا معها المغامرات المحسوبة، يسابقون معها الزمن وتحلّق بهم عالياً حتى اختراق الفضاء، والوصول إلى المريخ.. قليلة القيادة التي ترى في أبنائها مشاريع نجاح، تمشي على الأرض فتمنحهم كل الثقة وكل الدعم، وتقف خلفهم وبجانبهم، وتكون خير قدوة يتشبهون بها ويسعون إلى النجاح مثلها ومعها. 
ليس سلطان النيادي المثال الوحيد على حسن تربية الوطن ورعايته واحتضانه لأبنائه، ولطموح الشباب القادر على تحقيق كل شيء والنجاح عالمياً بلا غرور، والعودة إلى الوطن بلهفة وحب وفرح. 
حين يهجر الأبناء وطناً دمرته الصراعات والأهواء السياسية، يعودون إليه شوقاً ولهفة فيصدهم من جديد، ويصدمهم إذا لم يكن فيه من يعيرهم انتباهه، ويفسح لهم المجال، ليكون لهم مكاناً يحققون فيه النجاح الذي يستحقونه ويستحقه، والوطن ليس مجرد اسم وشوارع وذكريات جميلة، بل نعني به الحكمة والوعي والاتزان في القيادة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3wb82rv9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"