دور الإمارات في «مجموعة العشرين»

00:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول *
بوفد ترأسه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، شاركت الإمارات كضيف شرف في قمة «مجموعة العشرين» 2023 بنيودلهي، لتكون أكثر الدول العربية مشاركة في القمة، بعد مشاركتها في قمم المجموعة أعوام 2011 و2020 و2022. كما أن الإمارات عضو في مجموعة عمل الشراكة العالمية للشمول المالي المنبثقة عن «مجموعة العشرين»، وتنخرط بشكل فعّال في اجتماعات مجموعة الأعمال لدول العشرين (B20)؛ وهي منتدى الحوار الرسمي لمجموعة العشرين ويمثل مجتمع الأعمال العالمي.

وقد شهد حجم العلاقات الاقتصادية بين الإمارات ودول المجموعة نمواً ملحوظاً في الفترة الأخيرة؛ فقد بلغت التجارة البينية غير النفطية عام 2022 نحو 55% من إجمالي التجارة الخارجية الإماراتية، وبمعدل نمو بلغ 21% مقارنة مع 2021. وقُدر إجمالي الاستثمارات الإماراتية في دول المجموعة بنحو 92.5% من إجمالي الاستثمارات الإماراتية حول العالم، فيما بلغ إجمالي رصيد استثمارات دول «مجموعة العشرين» في الإمارات 43.3% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في الدولة.

وتحمل مشاركة دولة الإمارات في «قمة العشرين» دلالات مهمة على فعّالية الدبلوماسية الإماراتية؛ فلولا حضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ما حضر الرئيس الأمريكي على الأقل، القمة، بعدما تأكد غياب نظيره الصيني، شي جين بينغ. وذلك أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، هو صاحب فكرة إنشاء ممر اقتصادي بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط؛ التي تم توقيع مذكرة تفاهم بشأنها على هامش القمة، بين الإمارات والولايات المتحدة والهند والسعودية والاتحاد الأوروبي؛ ما يساعد على تدفق التجارة وتعزيز التكامل الاقتصادي بين هذه المناطق، والإسهام في ضمان أمن الطاقة العالمي.

ويتألف المشروع من ممرين منفصلين، هما الممر الشرقي الذي يربط الهند بدول الخليج عبر بحر العرب، والممر الشمالي الذي يربط الخليج بأوروبا، عبر خطوط سكك حديدية تخترق الإمارات والسعودية والأردن، ومنها إلى إسرائيل، ليصل، عبر موانئها، إلى أوروبا. وهناك مسار آخر من السعودية إلى العراق، ثم تركيا، فأوروبا. ويتضمن المشروع كذلك مد خطوط أنابيب لتصدير الكهرباء والهيدروجين الأخضر، وكابلات لنقل البيانات. وتتحدث التقارير الإعلامية عن أنّ الاتحاد الأوروبي خصص 300 مليار دولار للإنفاق على البنية التحتية في الخارج، في الفترة (2021-2027)، في إطار «مشروع البوابة العالمية»، الذي تم إطلاقه جزئياً لمنافسة مبادرة «الحزام والطريق» الصينية. كما يتزامن طرح مشروع الممر الاقتصادي مع جهود أمريكية حثيثة لمواجهة تنامي النفوذ الصيني العالمي نتيجة مبادرة الحزام والطريق، وتصاعد الصراع بين الولايات المتحدة والصين في إطار ما يُطلق عليه «الحرب الباردة الجديدة».

ولكن السياسة الخارجية الإماراتية لا تنحو هذا المنحى «التنافسي»، أو «الصراعي»، وإنما لا ترى مشاحة في أن تكون طرفاً في مشروع الممر الاقتصادي، برغم انخراطها بفعّالية في مبادرة الحزام والطريق. بل إنّ ذلك دليل على توازن سياسة الإمارات الخارجية، ونجاعة استراتيجية تنويع الشركاء التي تتابعها.

كما أنّ مشاركة الإمارات في «قمة العشرين» ذات دلالة على تعميق شراكتها الاستراتيجية بالهند، التي أعلنت عام 2017؛ ف «دولة الإمارات وجمهورية الهند ترتبطان بعلاقات تاريخية متجذرة، وشراكة استراتيجية راسخة أثمرت العديد من الإنجازات التنموية للبلدين في المجالات كافة»، كما صرح سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، على هامش القمة. وقد انضمت الإمارات إلى التحالف الدولي للوقود الحيوي، الذي تم تأسيسه بواسطة الهند والولايات المتحدة والبرازيل، على هامش القمة. ويهدف التحالف إلى تطوير وتعزيز استخدام الوقود الحيوي، وتسريع الجهود العالمية لتحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية عن طريق تسهيل التجارة في الوقود الحيوي المشتق من مصادر طبيعية.

علاوة على ذلك، تعكس مشاركة الإمارات في قمة نيودلهي المكانة العالمية المتزايدة للدولة لكونها شريكاً تجارياً للاقتصادات الكبرى والرائدة حول العالم، ومصدراً رئيسياً وموثوقاً للطاقة، ومركزاً عالمياً للتجارة والأعمال، وبوابة رئيسية لتدفق البضائع والخدمات بين أرجاء العالم.

والخلاصة أنّ تنامي الدور الإماراتي في التكتلات الدولية، وفي مقدمتها بريكس والعشرين، دليل على صعود القوى المتوسطة في السياسة الدولية، وقدرتها على إعادة تشكيل سياستها الخارجية بمعزل عن الاستقطاب الدولي المتزايد. وما حدث في قمة نيودلهي يؤكد السياسة التي رسمتها الإمارات في تنويع الشركاء والتوازن بينهم، والتعاون الدولي متعدد الأطراف. وهذا التوازن الدقيق بين القوى الكبرى من الصعوبة بمكان ممارسته بالنسبة إلى دولة متوسطة، ولكن بفضل قيادتها الرشيدة تمكنت دولة الإمارات من القيام بهذا الدور.

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ktcry27

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"