مياه فوكوشيما غير ملوثة !

00:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

بعد مرور حقبة طويلة من الزمن، بدأت اليابان، أواخر الشهر الماضي، تصريف المياه التي تمت تعبئتها في حاويات من موقع محطة فوكوشيما دايئيتشي للطاقة النووية، التي انفجرت بفعل زلزال حدث عام 2011، فقد اختلطت، آنذاك، المياه الجوفية بمياه الأمطار، وأيضاً بالمياه التي كان يتم استخدامها باستمرار لتبريد بقايا الوقود النووي المنصهر، ما أدى إلى تلوث مليون ونصف مليون طن من المياه في ذلك الموقع، وكانت تلك المياه تحتوي على مواد مشعة عالية التركيز.

 وقامت اليابان ببناء محطة تدعى ALPS بهدف معالجتها، حيث تم، وفق الرواية اليابانية، إزالة اثنين وستين نوعاً من المواد المشعة باستثناء التريتيوم من المياه الملوثة، وعجزت تلك المحطة عن إزالة التريتيوم لأنه من جنس الماء، والتريتيوم هو نظير مشع للهيدروجين الطبيعي، ويوصف بأنه ثقيل كونه يحوي عدداً من الإلكترونات أكثر من الهيدروجين العادي. 

 وسوف تستمر عملية التصريف تلك ثلاثين سنة، حيث سيتم تصريف مليون ونصف مليون طن من المياه. وبعد يوم من بدء تصريف المياه في المحيط، قال معهد أبحاث البيئة البحرية في اليابان، إنه أجرى تحليلاً لمستويات التريتيوم في السمك الذي تم اصطياده على بعد 4 إلى 5 كيلومترات قبالة المحطة النووية التابعة لشركة طوكيو للطاقة الكهربائية القابضة، ووجد أن تلك المستويات دون الحد الأدنى للكشف، والبالغ نحو 8 بيكريل لكل لتر. والبيكريل هو وحدة النشاط الإشعاعي، وأعلنت وكالة الصيد اليابانية، عن القيام بفحوص التريتيوم يومياً على الأقل لمدة شهر تقريباً، من تاريخ بدء التصريف، بهدف طمأنة الصيادين والمستهلكين.

 وقد أبدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، موافقتها على خطة اليابان لإطلاق مياه الصرف من محطة فوكوشيما إلى البحر، وقالت، إن ذلك «يتوافق مع المعايير الدولية». وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن الولايات المتحدة «راضية عن العملية الآمنة والشفافة التي قامت بها اليابان والقائمة على العلم » لتصريف مياه معالجة ومخففة في المحيط. بينما اعترضت عدة دول من بينها الصين وكوريا الجنوبية وروسيا على عملية التصريف تلك، وأعلنت الصين مقاطعة المأكولات البحرية القادمة من اليابان، وقالت الناطقة باسم الخارجية الروسية، إن المياه التي يتم تصريفها في المحيط تحوي«التريتيوم»، و«الكربون -14» و«البوتاسيوم-40» و«السترونتيوم-90» و«اليود-129» ونظائر السيزيوم، و«البلوتونيوم». وهكذا فإنه، وفق الرواية الروسية، هناك مواد مشعة كثيرة في تلك المياه.

 وفي ظل الصدام الدولي الواسع بين روسيا والصين من جهة، وبين الولايات المتحدة وحلفائها، وعلى رأسهم اليابان، من جهة أخرى، فإنه من الصعب الوقوف على الحقيقة الكاملة في هذه المسألة، فلو كانت هناك عناصر مشعة في تلك المياه، كما تقول روسيا، فإن ذلك سوف يضر بمختلف البشر في كل مكان من الأرض، لأن العناصر المشعة لا تتحلل إلا بعد مرور ألوف؛ بل ملايين من السنين، وبالتالي فإن أية نظائر مشعة قد تكون موجودة في تلك المياه، فإنها ستخلق مشاكل صحية ضخمة لجميع البشر، الذين يأكلون المأكولات البحرية من أسماك وغيرها، وطالما أن المحيطات متصلة ببعضها، فإن وصول المواد المشعة إلى ساحل أية دولة ساحلية في العالم، هو فقط مسألة وقت.

 ومع الإيمان بأن اليابان لا يمكن أن تضرّ نفسها وشعبها، لكن لا يمكن التقليل أو الاستهانة أبداً بتصريف مليون ونصف مليون طن من المياه المعالجة في البحر، وأيضاً يجب عدم الركون بشكل مطلق إلى تقارير الحكومة اليابانية التي تؤكد أنه لم يتم اكتشاف ملوثات في أسماك البحر بعد تصريف المياه المعالجة فيها. إن الشكوك ستظل عالقة في الأذهان، لأن هذه المياه المعالجة قد لا تظهر آثارها بين ليلة وضحاها؛ بل الأمر قد يستغرق سنوات حتى تظهر الآثار السلبية لهذه المياه على البيئة البحرية اليابانية، ومن ثم تنعكس سلباً ليس فقط على المجتمع الياباني، بل ربما تمتد لكل الدول التي تشترك معها في الحدود البحرية، وكذلك تلك الدول التي تستورد المنتجات البحرية اليابانية.

 إن السنوات القادمة كفيلة بالإجابة عن تلك الشكوك؛ إما بإزالتها والتأكد أنها مجرد مناوشات سياسية لخصوم اليابان خاصة روسيا والصين، أو تأكيدها من خلال التقارير العلمية التي تثبت أثرها السلبي على البيئة البحرية في اليابان وغيرها من الدول المشتركة في حدودها البحرية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4c7xdw65

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"