هيمنة اللاعقل

03:08 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

هل نعيش في القرن الحادي والعشرين؟ تبدو الإجابة سهلة، ومعروفة، ولكن ماهي مسوغاتنا عندما نرد بالإيجاب على هذا السؤال بكل ثقة، وطمأنينة؟ وستكون تلك الإجابة القطعية مصحوبة، غالباً، باستغراب، أو بدهشة من سذاجة السؤال، ولكن قبل أن تراودنا ردود الفعل المختلفة تجاه السائل، علينا أن نفكر قليلاً في سؤال آخر: ماذا تعني الحياة في عام 2020؟
ترتكز الحياة في الوقت الراهن كما «يؤمن» معظمنا، على مفاهيم، وقناعات عدة، كنّا نظن أنها أصبحت من البديهيات، والمسلّمات، منها مثلاً، الثقة اللانهائية بالعلم، وإنجازاته التي كانت حتى عقود قليلة ماضية تنتمي إلى عالم الأحلام، والخيال، وكذلك العقل بكل ما يحيل إليه من تفكير منطقي، يتكون من مقدمات صحيحة تؤدي إلى نتائج صائبة، وتحوّل العالم إلى قرية كونية، وعلى الرغم من سلبياتها، فإن لها العديد من الإيجابيات الأخرى في التواصل، والتعاضد بين البشر، فلم يعد أحد يشكك في قيمة العلم.
وحسم العقلانيون معاركهم الضارية مع اتجاهات كانت تعطي الأولوية لأنظمة معرفية أخرى، وسمحت وسائل التواصل بكل تقنياتها فائقة الحداثة بأصوات متعددة، وطرحت كل ما يدور في العالم على قوائم النقاش، واختفت قوة الإعلام المباشرة، والأسطورية المخيفة.
ولكن هذه الصورة المتفائلة، وربما «الوردية»، سقطت مع «كورونا»، فالمتابع، يلاحظ بسهولة، رواج الخرافة والشائعات، وتحوّل مواقع التواصل إلى منصات تنشر الفزع، وتبحث عن تفسيرات لتفشي الفيروس، تعتمد أحياناً على نظريات المؤامرة، وتخلق حالة من البلبلة. أما الإعلام التقليدي، وإن كان يحاول العمل بمهنية، فنسي أن التركيز على قضية واحدة، واللهاث وراء وقائعها على مدار الساعة، ربما يؤدي إلى ردود فعل سلبية تماماً، تمثلت في كمية نكات، وسخرية لا حدود لها، فضلاً عن إثارة الخوف والهلع.. حتى البعض تحدث عن ملاجئ سرية تحت الأرض تباع بأسعار خيالية.
لا عقل، أو علم في التعاطي مع «كورونا»، بل هناك حالة من الذعر يثيرها البعض عندما يتحول إلى آلات تحصي باستمرار أعداد الموتى، بل ووصل الحال ببعض وسائل الإعلام إلى التركيز على كبار السن بوصفهم الأكثر عرضة للفيروس، وقرأنا تصريحات لعلماء يؤكدون فيها أنهم ليسوا على استعداد لمساعدة هؤلاء، فالأولوية للشباب، ومن لديهم فرصة للشفاء، وإذا كانت هذه التصريحات حقيقية فإنها كارثة، تذكّرنا بالنازية، أما إذا كانت «فبركة إعلامية»، فعلى كل مواثيقنا الإعلامية السلام.
لم نتوقف لنسأل: وماذا بعد؟ ولم يبحث أحد في هدنة سلام، أو يفكر في فسحة من الأمل، كأننا عدنا فجأة إلى أوبئة العصور الوسطى، حيث كان اللاعقل هو المهيمن، والتشاؤم يتسيّد الحياة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"