الرمال المتحركة تحت الثقافة

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين

عبداللطيف الزبيدي
قال القلم: سألت الثقافة العربية: ألا تشعرين بأنك على رمال متحرّكة؟ قالت: بلى. قلت: وهذا هو البلاء، هذا إحساس صادق وطبيعي. معكِ كل الحق، فمن الناحية الفنيّة، النظرية والتطبيقية، لا تستطيع أيّ موهبة في الدنيا، أن ترقص على اثنين وعشرين إيقاعاً مختلفاً في آن، أن تبني وتهدم، وتزرع النماء وتحرق الأخضر واليابس، وتنشر السعادة وتطلق تسونامي التشريد والتهجير، ويجوع الناس في أكبر حلم زراعيّ عربيّ، ويحيا آخرون في بلاد عجائب الفضاء والذكاء الاصطناعي وحاسوب الكوانتوم. هل يتسنى لكائن أن يعدو وينام، أن يمشي ويقف، أن يستنسخ العصر الحجري ويشيد مدن المستقبل، كل ذلك وأكثر في آن معاً بالتوازي؟

قالت: لهذا أنا أشعر بالتمزّق الفكري، بالتصدّع الثقافي، بالتشظي الفلسفي، بالتفكّك الوجودي. العالم العربي أشبه ما يكون بسيارة تشارلي تشابلن التي تتطاير في تداعياتٍ كالدومينو أجزاؤها الخارجية، غطاء المحرك، الواجهة، الشبك الأمامي، غطاء العجلات، الغطاء الخلفي، الأبواب، فكيف يتوهم الواهمون قدرتي على استبقاء مقوّمات الثقافة الجامعة فيكون العرب من المؤلفة عقولهم في عمل مشترك نحو غايات حيويّة متآلفة؟ لقد حادت طريقة تفكيرنا عن الجادّة الواضحة، إلى حدّ وضع الثقافة في إطار للوحة ديكوريّة. هذا رسم كاريكاتوري للثقافة، أو لوحة ممّا يُسمّى الطبيعة الميّتة. سنة 1908 أطلقت القوة التي صارت إمبراطورية مشروع «الثقافة الاستراتيجية»، أعاصيرها لا تزال تترنّح لها سفن عربية عدّة.

قال: شكراً سلفاً، لقد أحييتِ في خاطري أسئلة كان أماتها الإعلام الثقافي. لكن، معذرة، لا تفزعي مني فلست بثائرٍ، وللحقيقة والتاريخ: أنقذتِني من زيف أحلامي وغدر مشاعري الثقافية. أليس عجيباً أنكِ لم تفكري طوال التاريخ الحديث في جعل كل المكونات، من فكر وآداب وفنون موكباً واحداً، متجاوباً متناغماً فاعلاً كما لو كان فرقة في أداء رفيع واحد؟ أهمّ من ذلك، أجيبي: كيف أضعتِ كل قرون التاريخ المعاصر، من دون أن تجعلي الفلسفة جسراً وواسطة عِقد بين العلوم ومكوّنات الثقافة؟ أليست النهضة الثقافية هي المسؤولة عن ربط التربية والتعليم بالتنمية، من خلال تطوير المناهج الذي يؤدي إلى إنشاء مراكز البحث العلمي، وهذه تمدّ جميع ميادين الحياة بالأدمغة والكفاءات فتنمو كلها معاً؟

أليس هذا هو ما أنجزته اليابان، كوريا الجنوبية، الصين، الهند...؟ لقد حققت أكبر الأحلام التنموية بفضل ثقافة الفعل الحيوية، وسيرى العالم في غدٍ قريبٍ ما تخبّئه الصين للثقافة والفنون: حين ينبري خمسون مليون عازف بيانو ومعهم جيوش ذكاء اصطناعي. للأسف، لم تعد مشكلات الثقافة العربية أدبية فنيّة، إذ لا وجود لحلول ثقافية، إذا لم يبادر العرب إلى حلول تنموية.

لزوم ما يلزم: النتيجة الإيقاظية: من يتصور أن الأوضاع العربية المتعثرة لها حلول غير الاستراتيجية التنموية، فهو واهم. لا منقذ للغة والثقافة اليوم غير النهضة التنموية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4xrajmpu

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"