الفكر أضعف الحلقات

00:23 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

في العقدين الماضيين، رحل أبرز رموز الفكر والثقافة في العالم العربي، في كل حقل معرفي، أو أدبي، أو فني كانت الخسارة كبيرة، والملاحظ عجز الساحة بفعل عوامل ذاتية ونتيجة لمناخ العصر، عن صناعة رموز أخرى، تستطيع أن تكون مرجعية في قضايا عدة وملحّة.

وخلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، وفي كل بلد عربي، كانت هناك مجموعة من المرجعيات التي نستطيع العودة إليها في العديد من المسائل، والقائمة تطول، بين من يدرس التراث بعين نقدية، أو تجديدية، ومن يدلي بأطروحاته في الاستشراق، ومن يحاول تأسيس علم الاستغراب، ومن يتحدث في النظريات السياسية، ومن يترجم التيارات العالمية، ومن ينقد العقل العربي، ومن يقوم بمراجعات لأدوار المثقفين ووظائفهم، ومن يدعو إلى التنوير.. مصفوفة طويلة من المفكرين والمثقفين العرب، صاحَبها إنتاج مميز من كتب ومجلات ودراسات ونقاشات ومؤتمرات ومعارك. لم يكن يمر شهر إلا وكانت هناك أطروحة جديدة، أو فكرة تحتاج إلى تحليل، أو قضية تتعدد فيها وجهات النظر، بل وكانت هناك مشروعات فكرية متكاملة في كل مكان، حيث أمضى هذا، أو ذاك، سنوات طويلة في البحث والدراسة.

السؤال الآن، هل وصلت تلك القضايا الصاخبة إلى حل، أو اكتمال، أو لم تعد بحاجة إلى تأمل، أو إضافة؟ هل توقف الغرب عن النظر إلينا بعيون استشراقية؟ هل حسمنا معادلة التراث والعصر؟ هل قمنا بإحياء النقاط المضيئة من تراثنا؟ هل لم نعد في حاجة إلى من يحدثنا عن التنوير..إلخ؟ كلها أسئلة لم تحسم، ولا تزال معلّقة حتى الآن، ولكن الذي حدث أن توقفنا عن الكلام، هل يشعر الجميع الآن بلا جدوى هذه القضايا؟ هل كانت هذه الأفكار مُلكاً لأصحابها فانتهت برحيلهم؟ ولكن الأفكار في الحقيقة ملك الجميع، ولم يشهد التاريخ فكرة انتهت ولم يتم إعادة تدويرها بأشكال مختلفة؟ ولماذا توقفنا عن صناعة الرموز الفكرية والثقافية؟

هل تحول الوعي الجمعي البشري، ونحن جزء منه، إلى ثقافة جديدة تعمّ العالم بأكمله، لا همّ لها إلا الحكي و«الشو»؟ ولكن هذا لا يعني أن نستسلم لهذا المناخ، فالثقافة في العالم العربي أضعف الحلقات، بمعنى أن الكثير من القضايا السابق الإشارة إليها توصل الفكر الغربي إلى شبه قناعات نهائية في ما يتعلق بمختلف مفاصلها، أما نحن فهذه القضايا لا تزال ملحّة، وتمثل تحدياً أمام العقل العربي، ولا رفاهية لدينا لكي ندير ظهرنا لكل ما هو جاد، بدعوى أننا نعيش مناخ العصر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y963v289

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"