يموت الفنان وتعيش اللوحة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

إميلي فيشر لانداو ثريّة أمريكية هاوية لجمع التحف واللوحات الشهيرة. في العام 1968 اشترت واحدة من لوحات الفنان الإسباني الشهير بابلو بيكاسو، لوحة «امرأة مع ساعة»، وظلت اللوحة معلقة فوق المدفأة في غرفة المعيشة بمنزلها في مانهاتن بنيويورك لسنوات عديدة.

في هذا العام توفيت المرأة عن عمر ناهز 102 سنة، وفي مزاد نظمته مؤخراً دار «سوذبيز» في نيويورك لبعض ما حوته مجموعتها، بيعت «امرأة مع ساعة» مقابل حوالي 140 مليون دولار، وهو مبلغ يشكل رقماً قياسياً ثانياً لعمل خاص ببيكاسو، واللوحة مستوحاة من ماري تيريز والتر التي توصف ب«ملهمة بيكاسو الذهبية»، حيث التقاها عام 1927 في باريس، وكان وقتها متزوجاً راقصة الباليه الروسية الأوكرانية أولغا خوخلوفا، وأصبحت والتر نفسها موضوعاً للوحته «المرأة النائمة» التي رسمها في العام 1934، وستطرح بدورها في مزاد علني وشيك، ويشكّل الرقم الذي بيعت به «امرأة مع ساعة» ثاني أعلى مبلغ لعمل خاص ببيكاسو، فيما بات للرسام ما لا يقل عن ست لوحات تزيد قيمتها على 100 مليون دولار.

ما أكثر ما يصبح اسم بيكاسو ولوحاته فى دائرة الضوء، مع الإعلان عن بيع لوحة جديدة من آثاره الفنية. حدث ذلك أيضاً حين بيعت لوحة زيتية له بعنوان «المرأة الجالسة قرب النافذة»، مقابل 103.4 مليون دولار في مزاد بنيويورك محطمة تقديرات ما قبل البيع التى توقعت لها سعر 55 مليوناً، وفي هذه اللوحة أيضاً تظهر حبيبة بيكاسو ومصدر إلهامه مارى تيريز والتر.

عاش بابلو بيكاسو (1881 – 1973) عمراً طويلاً بلغ أكثر من تسعين عاماً، وتنقلت عائلته، وهو طفل وشاب، بين أكثر من مدينة في إسبانيا، بينها لاكورونيا ثم برشلونة، ربما بسبب طبيعة عمل والده كأستاذ للفنون الجميلة، إلا أن بيكاسو ولد في مدينة مالقا في الجنوب الإسباني، إحدى مدن الأندلس التي خضعت للحكم العربي كغرناطة وقرطبة وإشبيلية، وتعاقب على حكمها الأمويون وبنو حمود والمرابطون والموحدون، قبل أن يستولي عليها القشتاليون بعد حصار طويل. ومع ارتباطه الروحي الكبير بوطنه الأم غادر بيكاسو الشاب إسبانيا إلى فرنسا، التي عاش فيها الجزء الأكبر من حياته، وفيها تطوّرت مراحل تجربته الفنية، ومات ودفن فيها.

عمر الإنسان مهما طال يظل قصيراً في عمر الزمن. رحل بيكاسو عن الدنيا ولم يرحل. ها هو يعيش، وسيظل يعيش عبر لوحاته الخالدة، التي ما انفكت تصنع الأحداث الفنية الجاذبة للأنظار كلما بيعت إحداها في مزاد، أو نقلت للعرض في متحف من متاحف العالم.

يموت الفنان وتعيش لوحاته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5aebatup

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"