بحرنا الأخضر

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

«عندما بدأت شهرزاد في سرد قصصها الليلية، لتكشف عن الثروة الهائلة لمخيّلة خصيبة بكل أحلام بلاد العرب وسوريا والشام العظيم، عندما بدأت تروي عادات شعوب الشرق وتقاليدهم وطقوسهم الدينية وتفاصيل حياتهم الباهرة والملوّنة، عندما بيّنت شهرزاد كيف يمكن أن يكون الإنسان مفتوناً ومأخوذاً ليس بالغموض واللامعقول فحسب، وإنما بسحر الألوان وإغراء الحكايات الخرافية، حينها كانت أوروبا تنصت مذهولة». نكرر هنا ما قلناه ونحن نعرض لرأي المستشرقين والأدباء والباحثين الإسبان، عن إرث العرب في الأندلس، فنقول هنا أيضاً إن قائل العبارات أعلاه ليس باحثاً عربياً مأخوذاً بنخوته القومية، فيرى في ماضينا، ما يشبه العزاء مما أُلْنَا إليه اليوم من تراجعات على غير صعيد، وإنما هو الفرنسي بول هازارد أستاذ الأدب المقارن، وأتت تلك الأقوال في خاتمة التقديم الذي وضعه الشاعر والباحث العماني هلال الحجري للقصائد التي اختار ترجمتها إلى العربية من الإنجليزية وتدور حول العرب وبلادهم، وأصدرها بعنوان «بلاد الشمس»، وفيه أتى على إيراد أقوال للشعراء الذين ترجم لهم تُظهر تأثرهم بالأدب العربي عامة، و«ألف ليلة وليلة» خاصة، بعد صدور ترجمتها الإنجليزية في عام 1717، وعرفت باسم دار النشر التي أصدرتها (Grub Street)، لأن اسم مترجمها ظل مجهولاً.

تغطي النصوص المختارة التي حواها الكتاب فضاءات عربية على قدرٍ كبير من التنوّع، ولا تقتصر على إقليم عربي بعينه، وربما تعطينا فكرة عن المحتوى عناوين القصائد التي حواها، والتي فاقت الثلاثين نصاً، حرص المترجم على نشر نصوصها الأصلية بالإنجليزية إلى جانب ترجمته لها، ومن هذه العناوين: «صحراء جزيرة العرب»، «على ضفاف نهر الأردن»، «سوريا»، «ساعة رملية من جزيرة العرب»، «أغنية عنترة العربي»، «أغنية بدوية»، «صلاة الأعرابي»، «إنجلترا في مصر»، «بلاد العرب»، «ما قاله لي البدوي العجوز».

ورغم أن بعض العناوين تشير إلى شغف أولئك الشعراء بعالم الصحراء والبداوة الذي بدا لهم ساحراً وغرائبياً، لكن هذا لا ينطبق على جميع النصوص التي توغل الكثير منها لا في وصف الطبيعة وحدها، وإنما ولج أيضاً عوالم البشر، ومن النصوص التي تناولت منطقة الخليج نشير إلى نص الشاعر الأيرلندي توماس مور، الذي اختار لنصه عنوان: «البحر الأخضر» (Green Sea)، ومن أبياته التي صاغها الحجري مقفاة: «استيقظ الفجر في طُهرٍ وفي سَلمِ/ ولاح منه خليج العُرب كالحُلمِ/ وأظهر النخل في البحرين باسقةً/ والعنبرَ الأشهبَ الملتفَّ في قشمِ/ هنا الشواطئ أرواح معطرة/ والهند فيها محيط طيبُ النسمِ/ وفي مسندم إن هبتْ نسائمها طابت سلامةً تُهدي البرء للسقمِ/ هنالك بحر وأعماق مقدّسة/ تلقي النذورَ بها للسلمِ من قِدمِ».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4ukp6wdd

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"