يعتقد البعض أن تطبيق الأفكار الإبداعية من السهولة بحيث يتطلب الأمر أن تلقي الفكرة وتطرحها للنقاش وانتهى، والحقيقة أن الفكرة تبقى وحيدة، خاصة تلك التي تتميز بالتفرد والابتكار وتحمل التجديد. ولا تنسَ أن المخترعات، في كل عصر، وطوال مسيرة البشرية كانت تواجه دوماً الهجوم، والنقد اللاذع غير الموضوعي، ولعل مثل هذه الممارسة ضيّقت على الفكر الإبداعي والابتكاري، وأخمدت وهج ونور الاختراعات، وعند مراجعة التاريخ ستجد أن كل منجز تم اختراعه كانت هناك أصوات محذرة ومتخوفة منه، ومترددة، وهناك دوماً نظرة قاتمة. ويمكن لنا أن نسمع نفس تلك الأصوات حتى في العصر الراهن، هناك حالة من الخوف والتحذير ترافق أي اختراع جديد، هذه الحالة تحدّث عنها كثيرٌ من المؤرخين، وأيضاً الدارسين في مجال مسيرة التطور البشري؛ لأن عوائق التقدم والنهضة الحضارية لم تكن من قلة العقول المفكرة، والمبتكرة، بل من الأصوات الناقدة المتخوفة المحذرة.
أتوقف مع كلمات لمتخصصة ورائدة في مجال الإنتاج الصناعي للأفكار، والمستثمرة في هذا المجال، ومؤلفة كتاب ماكينة الأفكار، ناديا شنتزلر، حيث قالت: «يوجد مئة خبير يحذروننا من كل اختراع يظهر للنور، فحين اخترعت الصحافة المطبوعة ارتفعت دعوات الخوف من فقدان الهالة المميزة وتهديد إخفاء الهوية، مقارنة بالوثائق الشخصية التي كان يخطها الرهبان بأيديهم، كما اعتبرت السكك الحديدية تهديداً للروح البشرية، وقوبل الهاتف بقدر كبير من التشكيك، إذا لم يعد الناس بحاجة إلى مغادرة منازلهم، وسيؤدي ذلك إلى أن يصيروا وحيدين ومنعزلين. لم يحدث أي من هذه الأمور؛ إذ كانت الفرص دوماً أعظم من المخاطر. ولو أننا أعرنا السمع على الدوام للمئة خبير، لظللنا إلى الآن جوعى ونقطن الكهوف، فكل شيء جديد لم يسمع به من قبل يحمل قدراً معيناً من الخطورة، وكل تطور جديد- وفكرة جديدة- له جانب إيجابي وآخر سلبي، والبشر يحققون التقدم فقط عن طريق التركيز على الجوانب الإيجابية وتطويرها إلى نقاط قوة ذات شأن».
أعتقد أننا بحاجة لتأسيس وعي ثقافي ومعرفي، مجتمعي شامل، كخطوة أولى تنبّه لفهم الابتكارات.
إن أي مجتمع بشري يريد النهوض والتميز، ودعم الابتكارات، والأفكار الجديدة، يحتاج لجرعات من الوعي بأهمية الدعم والتشجيع للأفكار، وتسهيل عمليات طرحها وترجمتها على أرض الواقع. الاهتمام بالابتكارات يبدأ من الفكرة، وتلقيها.
