تداعيات وسائط التواصل

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

أليس مهمّاً التذكير بالمنطلق أمس؟ وسائط التواصل أتت بما لم تستطعْه وسائط الإعلام المؤسسية. لقد صار في إمكان لقطة مدّتها ثانيتان أن تطوي الكوكب قبل أن يرتدّ إليك طرفك. حسابيّاً: قطر الأرض 12.7 ألف كيلومتر، وسرعة الضوء ثلاثمئة كيلومتر في الثانية. أعداد أفراد الرأي العام، لا يمكن مقارنتها بما لدى قناة أو مطبوعة، أو حتى مجموعة منها.
الوسائط السمعية البصرية شملت جميع مجالات الحياة العامّة، وتخصص الكثير منها في العلوم أو الإنسانيات أو الفنون أو الإلهيات أو الرياضة وغيرها، وعلى غرارها لم تدع وسائط التواصل مجالاً لم تدخله. هنا تداعت مشكلات وآفات كثيرة. لا يوجد عاقل يعارض حريات الفكر والرأي والتعبير، مبدئيّاً. لكنّ القضايا ليست بهذه البساطة. لقد صارت الشبكة العنكبوتية عالماً افتراضيّاً موازياً للعالم الواقعي، لكن الفارق المرعب هو أن الافتراضي أشدّ رعباً مليار مرّة؛ لأن الإجرام والاحتيال وأدوات الإفساد، محدودة نسبيّاً في البلدان، فالمجرم لا يستطيع أن يمارس أفعاله في أماكن متعددة في آن، بينما المجرم الافتراضي قادر على تنفيذ جناياته في الكوكب كلّه في آن.
بديهي أن أجهزة الأمن السيبراني تستطيع ملاحقة قائمة من الجرائم الخطِرة. لكن ماذا عن الثقافة، الخاصرة الرخوة؟ في العالم العربي اليوم، فضائيات تنتهك الحدّ الأدنى من القيم العربية الإسلامية، ولا تقف عند احترام أو احتشام للأسرة، لا تترك حتى ورقة توت. لك الآن أن تطلق العنان لخيالك لتتصور المسيرة «المظفرة» التي ستنجزها وسائط التواصل وهي تجرف أهل القابلية للانجراف، إلى منحدرات أشباه الفنون والتذرّع بالفكر والرأي والبحوث والدراسات، وهي أغذية سامّة، سوى أنها لا تمتدّ إليها أيدي القوانين والضوابط؛ لأنه على الأرجح، لا يوجد دليل على أنها قاتلة فوراً. الرقابة في السابق لم تحسن معاملة الآداب والفنون، وحريات الفكر والرأي والتعبير عموماً، واليوم اندثرت تقريباً «الرقابة على المصنفات»، وانهارت الموانع، لكن، صدق الشاعر: «رُبّ يوم بكيت منه فلمّا.. جزت في غيره بكيت عليهِ». قل إن شئت، إن ذلك حدث للأسف بعد الانهيارات التي وقعت في أنظمة طبائع الاستبداد.
لزوم ما يلزم: النتيجة الحذرية: مستقبل وسائط التواصل يحتاج إلى التفكير فيه كإطار فكريّ لا سابقة له في تاريخ الإعلام والثقافة. سيغيّر البنى في التربية والعلاقات الاجتماعية. وهذا موضوع يلزمه موضوع.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr3ess82

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"