ثرثرة على ضفاف التراث

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

لماذا يجب أن يشكّل التراث همّاً كبيراً لدى المعنيين بالدراسات الاستشرافية؟ وجوه الأهمية شتّى. من واجب المفكر أن يُعنى بالماضي لكونه كان حاضراً ومستقبلاً، وبالحاضر والمستقبل لأن مصيريهما هو أن يكونا ماضيين. عجيب أن يتوهم عاقل أن في إمكانه قطع جذور الشجرة وأن يراها تواصل النمو والإثمار. إهمال التراث إهدار لثروات تعب أفذاذ مليارات الساعات في إبداعها في جميع الميادين. القارئ الكريم في غنى عن شاحنة محمّلة بالأمثلة. من الجاهلية إلى اليوم نملك «رسالة غفران» واحدة. لكن واأسفا، حتى الساعة لم يعرف العالم العربي ما الذي يمكن فعله برائعة المعرّي التي لا نظير لها في الميراث الثقافي العالمي.
المأساة متنوعة، متشعبة، مثلاً، إلى يومنا هذا لا يوجد في المكتبة العربية المعاصرة كتاب يدلّنا على ما يمكن أن نستفيد منه، في حياتنا الحالية، من الميراث الصوفي، والسبب هو أن النظرة إلى التصوف والعرفان في العالم العربي تبعث على الشفقة. مسكينة التربية التي تلقّاها العقل العربي في هذا المجال، فقد جعلته لدى الأغلبية الغالبة يتوهم أن عقولاً مثل الصوفي الأكبر محيي الدين بن عربي، والنفري وشهاب الدين السهروردي إنما قد تجاوزهم الزمن. لم يتساءل المثقفون العرب: لماذا لا ينفك أكثر من مليار صيني هائمين هيام الفراشة بالشمعة بعرفان لاو تسو، ومريدوه كُثر في كل الشرق الأقصى اليوم وفي كلّ القارات؟ لماذا لا يغيب ذكر غزليات جلال الدين الرومي في الجهات الأربع؟ لماذا يؤلف الهنود كتباً يقارنون فيها عرفانهم بفيزياء الكوانتوم، بينما يُنعت نجوم تصوفنا بأشنع النعوت، ويوصمون بأفظع التهم؟
المأساة، بالتعبير الفيروزي، كبيرة كبر البحر، بعيدة بُعد السماء، جرّاء غياب الاستثمار الثقافي الذي يحتاج إلى تفكير عميق وتخطيط دقيق. العود الذي أخذه زرياب من بغداد إلى الأندلس هو الأب الشرعي لكل آلات الجيتار في العالم، الكلاسيكية منها والكهربائية. كذلك السنطور الآرامي، في العراق، هو الجدّ الشرعي لكل آلات البيانو على وجه الأرض، وبعدها البيانو الكهربائي، بكل أنواع الكيبورد وأحجامه وعدد دواوينه (أوكتافاته).
لزوم ما يلزم: النتيجة التتويجية: أمّا وقد كثرت الأمثلة، فلا ننسَ أن كل الذكاء الاصطناعي مدين للخوارزمي، وأمر الخليفة المأمون. حماكم الله من شرّ الروبوتات الحربية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdec299w

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"