الدموع

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

أقرأ في تاريخين في آن واحد؛ «تاريخ التعب من العصر الوسيط إلى أيّامنا هذه» للباحث جورج فيغاريلو، و«تاريخ البكاء - تاريخ الدموع الطبيعي والثقافي» للباحث توم لوتز، «وإن كان من مقاربة بين الكتابين أو بين الموضوعين: «التعب» و«البكاء»، فقد تكمن هذه المقاربة في أن كل تعب يؤدي إلى بكاء، وما من بكاء إلا وينطوي على تعب، وفي الحالين تبدو أماكن عديدة من العالم متعبة جغرافياً واقتصادياً وثقافياً، كما وفي العالم أماكن كثيرة تبكي فيها الشعوب بكاء جماعياً كأنما هي في ملحمة تراجيدية كبرى مستحمّة في الدموع.
توقفت في «تاريخ البكاء أو تاريخ الدموع» عند قصة صبيّ كان مبتور الشفتين، وعندما سأل السكان المحليون في البلدة التي وجد الصبي نفسه فيها بالصدفة عن حكاية الصبي، تبيّن أنه عندما كان صغيراً، لم يكن يتوقف عن البكاء، وهكذا قرّر (الشامانات) -ويبدو أنهم وجهاء البلدة- أن العلاج الوحيد لبكاء ذلك الصبي التعيس هو بتر شفتيه.
يقول «توم لوتز» (ترجمة: عبد المنعم محجوب) إن بكاء الرّضع نذير شؤم، وإن شيئاً ما غير سويّ يحدث في العالم، ويقول (لوتز) إن قبائل (تورجا) في جبال سيليبس في إندونيسيا، تعتقد أن بكاء الرضيع يمكن أن يجلب اللعنة على والديه (وربما على العالم)، لذا فهم يربطون ضفدعاً ويضعونه في وعاء من الماء، ثم، كما جاء في الكتاب، يرشّون بعض الماء على الطفل لينتقل البكاء إلى الضفدع الذي سيبكي (أو ينقّ) طوال الليل، ويقول مؤلف الكتاب إن بكاء الرضيع يتسبب في هطول الأمطار.
في الكتاب دموع كثيرة بعضها غزير وبعضها متقطّع. ثمة دموع صادقة وأخرى كاذبة من بينها مثلاً دموع (شوارزكوف) الجنرال الأمريكي الذي شارك في الحرب على العراق، ومن أغزر دموع العالم تلك التي ذرفها في السينما من شاهدوا فيلم (تايتانيك)، بل، وهناك من يشربون دموعهم ففي الدموع الكثير من البروتين.
مؤلف كتاب (تاريخ الدموع) أكاديمي أمريكي مواليد (1950)، واعتمد في قراءته السوسيولوجية والأنثروبولوجية هذه لتاريخ هذا الماء البشري المالح على عدد من الروايات، كما اعتمد على الشعر من حضارات وثقافات عديدة في العالم، وعلى الرغم من أن شعرنا العربي هو في الكثير منه شعر دموع ومرثيات، مثل دموع الخنساء، فإن كتابه هذا لم يعتمد ولا حادثة بكاء عربية واحدة، لا في الأدب ولا في الحياة.
هل العربي لا يبكي؟ لا بل نحن من أكثر شعوب الأرض صدقاً في دموعنا، حتى وإن كان بعضها دموع تماسيح. غير أن أكثر ما يلفت قارئ هذا الكتاب هو بكاء (الرضّع).
ومن المعروف أن الرضيع يبكي ولكن لا يذرف الدموع، أو أن دموعه قطرات قليلة إذا بكى، كما لو أنه يؤجل دموعه المرّة أو المالحة لما هو قادم من حياته. حين يكبر ويعرف أن تاريخه كلّه كان تاريخ دموع.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5ej9ctt4

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"