الشيخ زايد والتوجه العروبي

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول*
معاصرو الشيخ زايد، طيب الله ثراه، من ساسة وخبراء، من داخل المنطقة العربية وخارجها، نعتوه ب «حكيم العرب». ويعود ذلك إلى عوامل عديدة، يشكل كثير منها أهم سمات التوجه العروبي للشيخ زايد، رحمه الله، أهمها- فكره الوحدوي، ومواقفه من القضايا العربية، وحرصه على التضامن العربي، ودوره الفعّال في تسوية الخلافات العربية.

بادئ ذي بدء، يجب أن ننبه إلى أن التوجه العروبي للشيخ زايد، طيب الله ثراه، لا يرادف الفكرة القومية، كما عبّرت عنها تيارات فكرية عديدة في العالم العربي من بعثية وناصرية ويسارية، وإنما يمثل الشعور بالانتماء العربي، والسعي الوحدوي، والانتصار لقضايا الأمة العربية، والاهتمام بمشكلاتها والسعي إلى تسويتها بالحكمة والموعظة الحسنة.

إن التوجه العروبي للشيخ زايد هو الفكرة العروبية في صورتها البسيطة العملية، وفي صورتها الأصلية؛ حيث التكامل وعدم التناقض بين العروبة والإسلام، كما أبانت عنها الخبرة التاريخية للعرب منذ انبلاج فجر الدعوة الإسلامية في القرن السابع الميلادي مروراً بتأسيس الخلافات والإمبراطوريات والدول المستقلة وحتى العصر الحديث.

وإذا بدأنا بالفكر الوحدوي، نجد أن الشيخ زايد، رحمه الله، آمن بأن الخير للمنطقة وللعرب في الاتحاد ونبذ الفرقة ومفارقة الأوضاع المنقسمة. وقد ترجم زايد أفكاره الوحدوية في سعيه إلى تأسيس كيان اتحادي لإمارات ومشيخات الخليج العربي، وهو السعي الدؤوب الذي استغرق سنوات منذ ولايته حاكماً لإمارة أبوظبي عام 1966 حتى إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة برئاسته في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 1971. وترجمت أفكاره الوحدوية كذلك في دوره في تأسيس مظلة جامعة لعرب الخليج، الذين يتشاركون الخبرة التاريخية والثقافة بما في ذلك القيم والعادات والتقاليد ونظم حكم وأنظمة اقتصادية متشابهة وتداخلاً اجتماعياً فريداً؛ متمثلة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي خرج من عالم الأفكار (البيت الخليجي) إلى عالم الأحداث في أبوظبي في مايو/أيار 1981. وكان الشيخ زايد هو أول رئيس للمجلس، وأول مَن وقّع على ميثاقه. وكان رحمه الله، مدركاً لأبعاد المناظرة الكبرى التي كانت تدور في العالم العربي حول مدى تأثير التجمعات العربية الفرعية على فكرة الوحدة العربية أو العمل العربي المشترك. وبتفكيره الوسطي التوفيقي، أكد أنه ليس هناك تناقض بين العمل العربي المشترك والمجالس الإقليمية العربية؛ فكل تعاون مؤسسي عربي، حتى على المستوى الثنائي، هو أمر إيجابي، يصب، في نهاية المطاف، في تحقيق التكامل بين الأقطار العربية.

ومن التجارب العملية للشيخ زايد، نستطيع أن نحدد عدة خصائص لمنظوره الوحدوي، وهي: (1) الارتباط بين خيار الوحدة وتحقيق الأمن والاستقرار وتعزيز المكانة الدولية ورفاهية الناس؛ (2) الشمولية الوظيفية والمكانية؛ بمعنى أن المنظور الوحدوي يشمل كافة المجالات الوظيفية (السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية)، ولا يتوقف عند حد مجال معين، أو يقتصر على منطقة محددة، لكنه يتسع ليشمل العالم العربي كله؛ (3) تستهدف أفكار زايد المصلحة العامة للجميع في المنطقة والعالم العربي، فلم يسع لزعامة، على الرغم من أنه كان خليقاً بها، أو لتحقيق ثروة، فقد شمل عطاؤه العرب جميعاً؛ ف «الأمة العربية كبيرة في حجمها وثرواتها وخيرها» و«قوة العرب في تضامنهم وتكاتفهم وتآزرهم... حتى يكون [لهم] عزة وكرامة واحترام». (4) يعتمد المنظور الوحدوي الزايدي على فكرة التشبيك؛ أي الانخراط مع أصحاب المصلحة جميعاً وإشراكهم في تحقيق المشروعات الوحدوية. (5) والأهم أن الصحراء نضحت على فكر شيخنا الصبر والأناة في التخطيط والتنفيذ. ومن ثم، اتسم منظور الشيخ زايد في مسألة الوحدة والاتحاد بالتدرجية؛ لأنه آمن أن الوحدة قادمة لا محالة.

وتعد نصرة القضايا العربية من أهم مكونات التوجه العروبي للشيخ زايد؛ بل وجعلها شيخنا مبدأ دستورياً والركيزة الأولى لسياسة الإمارات الخارجية. فالدستور الإماراتي المؤقت (1971) والدائم (1996) نصا على أن دولة الإمارات «جزء من الوطن العربي الكبير، الذي تربطه...[بها] روابط الدين واللغة والتاريخ والمصير المشترك». كما جعل الدستور «نصرة القضايا والمصالح العربية والإسلامية» أحد أهم أهداف الدولة الاتحادية. وكرر الشيخ زايد، في أحاديثه وخطبه ومقابلاته، نفس المعاني، التي ترجمت سياسة عملية ومواقف فعلية، طوال مسيرته منذ توليه حكم إمارة أبوظبي حتى وفاته، رحمه الله، في 2004، تجاه القضايا العربية، وفي مساعيه الحميدة لتسوية الخلافات بين القيادات والدول العربية.

والخلاصة أن منظور الشيخ زايد، رحمه الله، هو انتماء عروبي، ويصدر عن فكر وحدوي عربي، يتسم بطبيعة عملية تدرجية وبخصيصة توفيقية بين العروبة والإسلام.

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4fmw5zxv

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"