عادي
رؤى سلطان أساس أركانه ويرتكز على القراءة والمعرفة

الشارقة تحاور العالم بمشروع ثقافي

00:12 صباحا
قراءة 6 دقائق
بدور القاسمي وفاهم القاسمي وأحمد بن ركاض العامري ود.عبد العزيز المسلم مع بعض المشاركين في المعرض

الشارقة: عثمان حسن

أكد مشروع الشارقة الثقافي أنه مشروع عابر للحدود، وينفتح على ثقافات العالم ويتواصل معها، ذلك لأن أركانه تنطلق من رؤى وتطلعات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ويحظى بدعمه ورعايته منذ نحو خمسين عاماً، إضافة إلى أنه بني على ثلاثة أبعاد هي: البعد المحلي والعربي ومن ثم العالمي.

يرتكز المشروع بصفة أساسية على القراءة والمعرفة، وليس مصادفة أن يكون معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي انطلقت دورته الأولى منذ 42 عاماً، من أهم المعارض في منطقة الشرق الأوسط.

بات المعرض الذي جاءت انطلاقته الأولى تحت إشراف دائرة الثقافة والإعلام، وتشرف عليه اليوم «هيئة الشارقة للكتاب»، اسماً راسخاً في دولة الإمارات، ومن خلاله حصدت الشارقة الكثير من الألقاب العربية والدولية، حيث اختيرت العاصمة العالمية للكتاب في عام 2019، هذا اللقب الأرفع من نوعه في تاريخ الثقافة العربية، بما يعكس حجم الجهد المعرفي والإبداعي المبذول خلال أربعة عقود من الزمن.

تجربة رائدة

من المهم هنا، التنوية بهيئة الشارقة للكتاب التي تأسست في عام 2014، واستطاعت رغم سنوات التأسيس التي لا تتجاوز العشر سنوات، أن تقدم تجربة ثقافية رائدة إلى كافة بقاع العالم، حيث شهد عام 2022 وما قبله، نشاطاً استثنائياً لحمل ملامح هذه التجربة في معارض الكتاب العالمية، على رأسها معرض فرانكفورت الدولي، لتسلط الضوء على جهود الشارقة في النشر والترجمة، لتستعرض مع مؤسسات النشر الكبرى ومديري معارض الكتب برامج الهيئة وما تتيحه من فرص للناشرين والمهتمين بتبادل شراء حقوق النشر والترجمة، وخاصة من خلال وكالة الشارقة الدولية للحقوق الأدبية.

وتواصلت نشاطات الهيئة عبر مشاركاتها في معرض بولونيا الدولي للكتاب، حيث أعلنت إدارة المعرض في 2021 اختيارها معرض الشارقة للكتاب بين أربعة معارض عالمية كبرى، ليكون مركزاً لحوار الثقافة الإيطالية مع العالم في قارة آسيا وشمال إفريقيا، وذلك في خطوة تؤكد مكانة الشارقة بين عواصم المعرفة العالمية، كما توجت الإمارة في 2022 ضيف شرف الدورة ال 49 من معرض لندن الدولي للكتاب، وكانت مناسبة مهمة للاحتفاء بالمشروع الثقافي لصاحب السمو حاكم الشارقة، لتسجل الهيئة تاريخ أول ممثل لدولة عربية تنال هذا التكريم.

وتتواصل فعاليات الاحتفاء بالشارقة الثقافية، عبر مدينة غوادالاهارا المكسيكية، التي اختارت إمارة الشارقة ضيف شرف الدورة ال36 من معرض المكسيك الدولي للكتاب، مقدمة تجربة الإمارة الرائدة في تعزيز التواصل الحضاري بين الشعوب، ثم اختيار الشارقة ضيف شرف معرض سيؤول الدولي للكتاب في 2023، في منجز جديد يضاف لتاريخ الثقافة العربية.

صناعة النشر

اليوم، تعمل هيئة الشارقة للكتاب على نقل المشروع الثقافي عبر دول العالم، لتبحث آفاق التعاون والعمل المشترك مع مجموعة من كبرى مؤسسات صناعة النشر في أوروبا والعالم، كما تناقش مجالات وفرص مشاركة الناشرين وتوسيع حضورهم في الدورات المقبلة من معرض الشارقة، بالاستناد إلى الفرص والتسهيلات التي تتيحها الشارقة للنهوض بالقطاع.

ومن المهم هنا، أن نشير إلى مفاعيل مشاركة الهيئة في عدد من الدول العربية، من خلال مشاركتها في معارض بالقاهرة والرياض والعاصمة الأردنية عمان، وفي سلطنة عمان والدوحة، حيث نجحت في نقل رؤية الشارقة الثقافية تجاه صناعة الكتاب وإنتاج المعرفة وصناعة النشر في تلك البلدان، فاتحة أمام الناشرين المشاركين الفرص للاستفادة من ميزات «المنطقة الحرة لمدينة الشارقة للنشر»، كما استقطبت الكتّاب والناشرين للاطلاع على رسالة «معرض الشارقة الدولي للكتاب» و«مهرجان الشارقة القرائي للطفل» وغيرها من الفعاليات الدولية التي تنظمها الهيئة سنوياً.

وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة، إلى معرض «بيغ باد وولف» المعرض الذي تأسس قبل 10 سنوات في ماليزيا، وهو معرض الكتب المتنقل الأشهر في آسيا وإفريقيا، حيث شهد عام 2019 تاريخاً فاصلاً في تبني هيئة الشارقة للكتاب لنشاطات هذا المعرض بالمنطقة، ففي أكتوبر من ذلك العام افتتح المعرض مكتباً بمدينة الشارقة للنشر، وهنا قامت الهيئة بالاستثمار في الشركة، ما ساعد على توسيع نشاطاتها في الشرق الأوسط وإفريقيا ونحو 37 مدينة في 15 دولة في إندونيسيا وماليزيا وميانمار وباكستان والفلبين وكوريا الجنوبية وسيريلانكا وتايوان وتايلاند وأيضا الإمارات.

المهرجان الأهم

شكّل المسرح جزءاً رئيسياً من مشروع الشارقة الثقافي، ولعل من المهم هنا، الإشارة إلى الإنجاز الأبرز في مسيرة الشارقة المسرحية، من خلال مهرجانها الأهم «أيام الشارقة المسرحية» الذي انطلقت دورته الأولى في 1984، وهو المهرجان الذي تشرف عليه اليوم إدارة المسرح التابعة لدائرة الثقافة بالشارقة، واستطاع النهوض بالحركة المسرحية المحلية التي شهدت نقلة نوعية لصنّاع اللعبة الفنية في الإمارات.

كما بات المهرجان بلجانه الفنية المتخصصة التي تضم في عضويتها كفاءات مسرحية عربية ومحلية، يستضيف في كل دورة مفكرين ومؤلفين ورواداً مسرحيين من مختلف البلدان العربية والأجنبية، وهو من أبرز المهرجانات التي رفعت من أسهم الحركة المسرحية في العالم العربي.

والحديث عن المسرح الإماراتي، يتواصل بتأسيس مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، في عام 2015 وتقام دورته كل سنتين، خلال شهر فبراير، على مدى سبعة أيام لإبراز التجارب المسرحية الخليجية المبتكرة والمتميزة.

وتتواصل المسيرة بتدشين ملتقى الشارقة للمسرح العربي، وهو لقاء فكري سنوي يقرأ مستجدات الساحة المسرحية العربية عبر جملة من المحاور الفنية، ومن خلال استضافة نخبة من الفاعلين في المشهد المسرحي العربي.

وتوالت المهرجانات المسرحية في الشارقة، بتأسيس «مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة» هذا الفضاء المفتوح أمام المواهب لخوض غمار تجربة الإخراج المسرحي، وهو يعد بحق مختبراً سنوياً لمتدربي الورش والدورات المسرحية التي تنظمها إدارة المسرح بالدائرة بمشاركة مجموعة من المختصين من خارج الدولة وداخلها، ويشكل فرصة ثمينة لإظهار قدرات هؤلاء المتدربين المبدعة وأسئلتهم وأحلامهم وتطلعاتهم.

تنمية حضارية

شكل تأسيس الهيئة العربية للمسرح في 28 أكتوبر 2007، بمبادرة من صاحب السمو حاكم الشارقة، مناسبة مهمة في تاريخ المسرح الإماراتي، الذي حمل «أبو الفنون» خارج حدود الإمارات في كافة أرجاء الوطن العربي، ليقوم بدوره التنويري من أجل تنمية حضارية للمجتمعات العربية، ويصوغ ذائقة فنية متجذرة بالمعارف الثقافية المتعلقة بالمسرح، بوصفه عاملاً مهماً من عوامل التقدم والتنمية.

وشكّل تأسيس الهيئة فرصة كبيرة للمساهمة في النهوض ب «أبو الفنون»، حيث عملت على إبراز المنجزات المسرحية العربية المتميزة، وشجعت الإبداع المسرحي الحر، وأسهمت في التعريف بالتجارب المسرحية الشبابية الجديدة وشجعتها ودعمتها وأتاحت فرصاً أكبر للتعاون بين المبدعين المسرحيين العرب، كما لعبت دوراً استثنائياً في تنمية وتطوير المسرح المدرسي وإدماجه في مناهج التربية، كما أسهمت في نشر وتوثيق الثقافة المسرحية على المستوى العربي.

وكانت المحطة الأولى لمهرجان المسرح العربي في القاهرة في يناير / كانون الثاني عام 2009، وتوالت محطات المهرجان لتحط دورته الرابعة في العاصمة الأردنية عمان في 2012، ويستمر في عقد دوراته في شهر يناير من كل عام، حيث عقدت دورته الخامسة في الدوحة 2013، وفي 2014 يعقد دورته السادسة في الشارقة، وتنعقد السابعة في العاصمة المغربية الرباط 2015، ودورته الثامنة في الكويت 2016 تحت شعار (نحو مسرح عربي جديد ومتجدد)، ثم يسافر المهرجان إلى الجزائر ليعقد دورته التاسعة 2017، ودورته العاشرة في تونس 2018، ثم يحط مجدداً في القاهرة بدورته الحادية عشرة 2019، ثم يعود مرة ثانية إلى الأردن في دورته الثانية عشرة 2020، ومجدداً في الدار البيضاء من خلال الدورة ال 13 في 2023.

بينالي الشارقة.. أطروحات جريئة تثري المخيلة البصرية

يعد بينالي الشارقة الذي تنظمه مؤسسة الشارقة للفنون، إحدى أبرز فعاليات الفن المعاصر في الإمارات والمنطقة، منذ انطلاقته في عام 1993، ويعد بحق منصة دولية للعرض والتجريب لفنانين من المنطقة وخارجها، من خلال تكليفه بإنتاج وتقديم أعمال تركيبية عامة ضخمة، وعروض أداء، وأفلام لفنانين من جميع أنحاء العالم، ما جلب مجموعة واسعة من الفنون المعاصرة والبرامج الثقافية والمنتجين في الشارقة والإمارات العربية المتحدة والمنطقة.

ويمتاز بينالي الشارقة في كل دورة من دوراته بوجود مجموعة من القيمين الفنانين المعروفين على مستوى العالم، ومن أهم ضيوف هذا البينالي: زوي بت، عمر خليف، كلير تانكونس، كريستين طعمة، أنجي جو، يوكو هاسيكاوا، سوزان كوتر، رشا سلطي، هايك إيفزيان، إيزابيل كارلوس، طارق أبو الفتوح، محمد كاظم، جوناثان واتكينز، إيفا شارر، جاك برسكيان، كين لوم، تيرداد زولغادر، بيتر لويس.

وقد تميز بأطروحاته الجريئة التي أثرت المخيلة البصرية بانفتاحه على تجارب عالمية تمزج بين الحداثي والمعاصر، ورؤى تتجاوز فكرتي الزمان والمكان، بمديات عابرة للحدود وتؤسس لمفاهيم جديدة تطرح مشكلات الإنسان المعاصر على وجه الأرض.

وعلى سبيل المثال، في الدورة الثالثة عشرة من دورات البينالي والتي عقدت في 2017، وكانت بعنوان «تماوج»، شارك نحو 70 فناناً عالمياً في تجربة ثرية بأبحاثها الفكرية والنظرية من خلال خبراء في تاريخ الفن، الذين استطاعوا تقديم منصة فنية اقترحت آليات جديدة لتمكين الفنون، وتقريبها من حساسية البشر انطلاقاً إلى أفقها الإنساني الأوسع، هنا، انخرطت الفنون إلى جانب الثقافة في تلمس مشكلات العالم ومقاربتها فكرياً وفنياً.

وكما هو واضح، فإن مؤسسة الشارقة للفنون من خلال بينالي الشارقة استطاعت أن تفتح أفقاً فنياً وثقافياً مختلفاً ينفتح على الحاضر ويخطط للمستقبل ويستشرف أفق هذا المستقبل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/544tzdhp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"