الدموع

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

لم يترك الباحث والأكاديمي الأمريكي (توم لُوتز) صغيرة أو كبيرة حول التاريخ الطبيعي والثقافي للدموع في كتابه (تاريخ البكاء)، إلّا وجاء عليها في تفصيل بحثي هادئ يبعث على الإعجاب، لا بل ذهب إلى ما هو أكثر من توصيف لظاهرة البكاء من ناحية ثقافية أدبية، فراح يدرس عين الإنسان من ناحية تشريحية علمية.. مثلاً «تحتوي عين الإنسان على بروتينات ومنغنيز»، ويقول، إن الدموع هي خلاصة عصير وحمض، وعند بعض الشعوب هناك من يشربون دموعهم، ويقول، إن الدموع تساعد على الوقاية من الاكتئاب.

غير أن قارئاً له حساسية شعرية قد لا يعنيه كثيراً تحليل دمع الإنسان في مختبر علمي بقدر ما يعنيه توصل الباحث إلى هذا التساؤل الشعري المفاجئ: هل الدموع كلمات؟، وهو يقول: إن الدمعة شيء فكري.

ثم، قوله، إن الدموع قوة ثقافية، لا بل هناك شعوب تحتفظ بالدموع في قوارير، وهو يقول، إنه «حتى الحجارة تبكي»، ويقرأ في صفحات طويلة دموع المرأة، ودموع الرجل، وعند الأكراد، وعلى حدّ قوله، فإن البكاء يُنمّي الصوت.

يرى توم لوتز الذي نقله إلى العربية بصفاء ترجماني جميل عبد المنعم محجوب، أن ثمة علاجاً للإنسان بالدموع حين يشعر بالندم، ومن مفاجآت هذا الكتاب مثلاً أن دموع الأرملة قصيرة العمر، وحتى التماثيل تبكي، أما دموع التماسيح فلم يتحدث عنها (لوتز) كثيراً، لكنه ساق نماذج بكائية لزعماء وسياسيين من العالم، مثل دموع (شوارتزكوف)، ودموع (كلينتون)، ودموع (بوش)، وبالطبع، بالنسبة للقارئ العزيز، فإن دموع هؤلاء معروفة في إطار بكائها الكاذب.

حالات كثيرة قرأها (توم لوتز) حول البكاء والدموع، ومنها مثلاً دموع ضحايا العمّال الذين شيّدوا سور الصين العظيم، وكم من دموع لأولئك العمّال سقطت على حجارة السور!، لا بل سقطت الكثير من دموع العالم على مجرد مشاهدة فيلم (تايتانك) الذي، كما يقول الباحث، أبكى العالم، لكن هذا العالم نفسه الشفّاف الباكي.. قد لا يذرف دمعة واحدة على امرأة مظلومة أو رجل يتهدّم بيته، وتتهدّم حياته (الآن)، وأمس، وغداً!!..

لا توجد دمعة عربية واحدة في هذا الكتاب الذي يتناول ظاهرة إنسانية كونية من زاويتين طبيعية وثقافية..

يقول جرير:

لولا الحياءُ لهاجَني استعبارُ

ولزرتُ قبرك والحبيبُ يُزارُ

والعَبْرة هي الدمعة الحائرة في العين، والبكاءُ عبارة، والنفّري يقول: «كلما اتسعت الرؤيا، ضاقت العبارة».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5x9t5ccv

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"