المؤسسات الوطنية الكبرى هي في الأصل أفكار عقول رجال دولة ووطن وثقافة، والمؤسسات الناجحة، والمؤثرة في التاريخ، وفي الشعوب لا تقوم وحدها في الفراغ، ولا تتحول إلى نموذج ومثال إلّا إذا كان وراء هذا التأسيس فكر، وحدس، وفراسة.
عبد الله عمران (أبو خالد)، رجل من هذا الزمان، ومن هذا المكان، له بصيرة تنحو في رؤيتها إلى المستقبل منذ كان شاباً. بصيرة مؤسسة على تربية عصامية في زمن دولة الإمارات الحديثة، التي تحتاج في حين قيامها أوائل السبعينات إلى رجال من هذا النموذج المثقف الرؤيوي، الذي ينظر إلى ما بعد اللحظة التاريخية التي هو في صميمها.
«دار الخليج للصحافة»، نتاج مستقبل لعبد الله عمران، وتريم عمران، ولم تكن جريدة «الخليج» مغامرة، بل رؤية ومشروع ورهان، ووراء كل هذه العناصر الثلاثة حدس وفراسة، وقبل ذلك، الثقة والشجاعة..
يصغي (أبو خالد) جيداً لكل من هو أمامه سواء في حديث أو جدل أو تبادل أفكار، ويقرأ محيطه البشري والفكري هذا بهدوء وصمت، وينظر دائماً إلى عينيك، ولكن قبل ذلك ينظر إلى قلبك وعقلك، يروزك تماماً، ويفحص داخلك، ثم يؤسس فكرته عنك أو عن جوهرك استناداً إلى فراسته وخبرته، وذاته الفاحصة القارئة.
في ضوء هذه المكونات في داخل شخصيته، يختار فريقه وإداراته ورجاله، يؤسس جريدة إماراتية وطنية مستقلة الرأي والموقف والثقافة، فينجح مع شقيقه في التأسيس، وفي الفكرة وفي المشروع.
عبد الله عمران، ثقافة وطنية تأسيسية مبكرة، صحفي دقيق، يذهب حتى إلى الخبر الصغير المدفون بين الأخبار الكبيرة، ويكتشف الأهمية أو يكتشف الصواب أو الخطأ، ويصحح من دون انفعال، محترماً بذلك الصحفي الذي إلى جانبه، بكل قيم وخلق صاحب البيت، وصاحب الفكرة والمشروع.
كتبت في مناسبات استعادة (أبو خالد)، قبل ذلك في سنوات ماضية، ولن أكف عن الكتابة في مناسبات وسنوات قادمة، فقد حظيت بفكره ولغته وطبيعة شخصيته في العديد من اجتماعات التحرير في «الخليج»، وكانت دروساً وقيماً ومعارف أكثر مما كانت اجتماعات مهنية مباشرة.
حدب (أبو خالد) على كاتب هذه السطور، وأعطاه الكثير من الصبر والنبل، والتقدير، ولم يتخل يوماً، إلى جانب النبيل تريم عمران، عن الجوهر والمعنى الثقافي لجريدة «الخليج»، وكانت الثقافة في فكره وفي معطياته المهنية هي أهم أعمدة «الخليج».
