سيف والقمة والركائز العشر

00:57 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. صلاح الغول*

لا يمكن تخيل انعقاد القمة العالمية للحكومات منذ تأسيسها عام 2013 من دون الحضور والتأثير للفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الذي أصبح معلماً من معالم القمة، وغدت أطروحاته ركائز أو وصايا لما يجب أن تكون عليه حكومة المستقبل.

ففي أول قمة عالمية للحكومات عام 2013، استهل بو زايد أطروحاته ب «الاستثمار في الموارد البشرية» كأساس للمنظومة المؤسسية؛ كون الإنسان هو جوهر التنمية الحقيقي. وشدّد سموه على أنه من دون هيكلة صحيحة للعمل الحكومي لا يمكن بناء حكومة للمستقبل.

وفي القمة التالية ركز سموه على القيادة الاستثنائية؛ كونها ربان الحكم، وبدونها لا يمكن اتخاذ مبادرات جادة للاستثمار في البشر أو إعادة هيكلة الحكومة لتواكب متطلبات المستقبل. وقد حظيت دولة الإمارات منذ تأسيسها بقادة استثنائيين، على رأسهم قائدا اقتناص الفرص المغفور لهما بإذن الله الشيخان الجليلان زايد بن سلطان وراشد بن سعيد، أسهموا في صنع معجزة الصحراء على ساحل الخليج العربي.

ولكن لا يمكن لقائد عظيم أو استثنائي في تاريخ الأمم أن يحدث فرقاً أو يخلف أثراً، فضلاً عن أن يصنع معجزةً تنموية، من دون مواطنين إيجابيين يتملكهم الولاء للوطن والإيمان بمصالحه العليا، والثقة في قيادتهم. وكان هذا محور حديث سيف الإمارات في قمة 2015 عن المواطنة الإيجابية.

والحق أنّ القيادة الاستثنائية والمواطنة الإيجابية والاستثمار في الموارد البشرية هي ركائز عقيدة التكامل الإماراتية (القمة الحكومية 2016) في «شتى مناحي حياتنا اليومية السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والفكرية»، والتي في ظلها حققت الدولة مجموعة من الإنجازات نافست بها دول العالم في معظم مؤشرات التنافسية العالمية في مجالات متعددة.

وفي كلمته المعنونة «استدامة وطن» أمام قمة 2017، أسبغ سيف بن زايد على مصطلح الاستدامة منظوراً استراتيجياً شاملاً، يضم الجوانب الاقتصادية والمؤسسية والسياسية والمجتمعية، وأولاه بعداً قيمياً حيث أوصى بأن تكون من أولويات صانعي القرار في دول العالم «السعي الحثيث لتحقيق الاستدامة الشاملة لشعوبها، لاسيما جانب القيم الأخلاقية، التي هي الأساس الأمتن لاستدامة الأوطان».

والخلاصة التي توصل إليها سمو الشيخ سيف بن زايد من مشاركاته الفائتة في القمة العالمية للحكومات شاركها مع نخبة من قادة الفكر وكبار الخبراء وصنّاع القرار في قمة عام 2018، وتمثلت في أن القيادة الاستثنائية والاستثمار في البشر والمواطنة الإيجابية والاستدامة الشاملة جعلت من دولة الإمارات أرضاً للإلهام والفرص. وحتى تظل هذه الأرض الطيبة مصدر الإلهام لشعوب العالم وحبلى بالفرص لكل الناس، بصرف النظر عن أصولهم العرقية أو خلفياتهم الثقافية أو مواطنهم الأصلية، أطلق سموه المنصة العالمية للإلهام، التي تحمل اسم منصة زايد الملهم.

وقد عرف بو زايد أنّه لابد أن ينسب الفضل لأهله في «أرض الإلهام والفرص» الإماراتية، ولذلك اغتنم مشاركته المَعلم في قمة 2019 ليتحدث عن «مسيرة الحكمة» للقادة المؤسسين «العظام» ومن سار على نهجهم بإحسان، وكيف تجاوزوا التحديات العديدة والمتنوعة بالحكمة «الجامعة لمعاني الخير والإيجابية». وسرد سموه فصولاً وقصصاً من الحكمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحكمة التوازن بين القوة والتسامح وحكمة التحدي لقادة الإمارات من أول حكيم العرب زايد بن سلطان وباني نهضة دبي راشد بن سعيد إلى إخوانهما وخلفائهما في ربوع هذه الأرض الطيبة.

وكان للتئام معرض إكسبو 2020 دبي، في الفترة من 1 أكتوبر 2021 حتى31 مارس 2022، ونجاحه منقطع النظير، بعد أن راهن المرجفون على فشله، أكبر التأثير في الشيخ سيف، الذي أكّد على أن الإمارات هي وطن «اللامستحيل»، في القمة الثامنة للحكومات عام 2022، مستعرضاً مسيرة الدولة التي تجاوزت تحدي المستحيل، من خلال تمسكها بركائز مهمة من معادلة القيادة الاستثنائية والمواطنة الإيجابية والعقيدة التكاملية.

وإذا كانت هذه البلاد هي أرض الإلهام والفرص ووطن «اللامستحيل»، فما كان ذلك ليتحقق لولا وجود القاعدة التي تنطلق منها، ألا وهي الإنسان والأسرة السوية. فأسرة الإمارات التي تؤمن بمخاطر التلوث البيئي تؤمن بأن التلوث الفكري والأخلاقي يهدد قلب الإنسان وعقله، وهو أشد خطراً، فهو يشوه فطرة الإنسان والأسرة والمجتمعات وثوابتها. وإذا كان العالم يقيس الزمن بالساعة وباليوم وبالشهر أو بالسنة، فإنّ «قيادتنا تقيس الزمن بالإنجازات التي تحققها»، يقرر الشيخ سيف في قمة العام المنصرم، في كلمته الرئيسية بعنوان «الإمارات.. أسرة الجذور الراسخة وآفاق المستقبل».

وفي وصفه للركيزة العاشرة لنجاح حكومات المستقبل ومن خلال كلمته الرئيسية أمام القمة العالمية للحكومات يوم أمس المُعنونة ب«مسيرة الأجداد.. ومسؤولية الأجيال» شدد سمو الشيخ سيف بن زايد على أن الاستمرارية والتميز لحكومات المستقبل يجب أن لا يكونا بمعزل عن السعي لإبقاء الصورة الحقيقية واضحة ومضيئة وغير مشوبة لما قدمه الأجداد حتى تستمر في السير على خطاهم الأجيال القادمة.

وهكذا، وعلى مدار القمم العالمية العشر للحكومات، وضع الشيخ سيف بن زايد سلسلة وقلادة متصلة ومتماسكة من الركائز الاستراتيجية لحكومات المستقبل وهو ما يمثل هيكلة لنجاح الأمم، من أول الاستثمار في الإنسان الحاضر حتى الحفاظ على مسيرة الأجداد أو مسيرة الحكمة وتأمين امتدادها لأجيال المستقبل.

*متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/32r46yjd

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"