عادي

باكستان.. «حكومة ائتلاف» هل تضمن الاستقرار؟

23:42 مساء
قراءة 4 دقائق
خلال فرز أحد صناديق الاقتراع في مدينة كويتا الباكستانية

كتب- المحرر السياسي:

لم تفلح الانتخابات الأخيرة في تغيير الصورة النمطية عن باكستان في عيون العالم، مع استمرار التقلبات السياسية وسطوة الجيش وقوى النخبة التقليدية، بينما يتطلع الباكستانيون، ومعهم دول العالم، إلى دور إيجابي ربما تلعبه القوى السياسية الصاعدة التي راهنت على ما يتعرض له اقتصاد البلاد، وبالتالي معاناة الأغلبية، في ترسيخ نهج الإصلاح السياسي والاقتصادي.

وفقاً لآخر إعلان صادر عن لجنة الانتخابات، فاز المستقلون ب101 من المقاعد، منهم 96 مرشحاً مدعومون من «حزب حركة الإنصاف»، الذي يتزعمه عمران خان، ولكن من دون وجود كتلة حزبية تضمهم داخل البرلمان، لكي تساعدهم في بدء مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، كما حصل حزب نواز شريف (حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية) على 75 مقعداً، بينما حصل «حزب الشعب» على المركز الثالث ب54 مقعداً.

وأكد اثنان من أكبر ثلاثة أحزاب في باكستان، يوم الثلاثاء الماضي، أنّهما توصلا إلى اتفاق لتشكيل ائتلاف حكومي يستبعد أنصار رئيس الوزراء السابق المسجون عمران خان، رغم أنهم تصدّروا نتائج الانتخابات التشريعية.

وأعلنت الرابطة الإسلامية، وحزب الشعب بزعامة بيلاول زرداري، في مؤتمر صحفي، أنهما سيشكّلان الحكومة المقبلة مع أحزاب صغيرة.

وقال شهباز شريف، رئيس حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية إلى جانب مسؤولي حزب الشعب الباكستاني، وحزبين آخرين، وممثلين عن مجموعتين أخريين، إن «الأحزاب الموجودة هنا تمثّل ما يقرب من ثلثي المجلس الذي تم انتخابه».

وتوقع معظم المحللين أنه لن يخرج أي حزب بأغلبية واضحة في البرلمان، الأمر الذي سوف يستلزم تشكيل حكومة ائتلاف. وهذا يعني أن عملية صنع القرار في الإدارة القادمة ستكون معوقة في وقت يتطلب اتخاذ قرارات سياسية حاسمة وسريعة لمعالجة الأزمات المتعددة.

وقال حزب الرابطة الإسلامية الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق نواز شريف،‭ ‬والذي فاز بأكبر عدد من المقاعد بعد المستقلين، وحزب الشعب الباكستاني بزعامة بيلاوال بوتو زرداري، نجل رئيسة الوزراء السابقة الراحلة بينظير بوتو، في بيان، في وقت متأخر، يوم الأحد الماضي، إنهما ملتزمان «بوضع مصلحة الأمة ورفاهيتها فوق كل اعتبار، وقيادة باكستان بعيداً عن الاضطرابات السياسية، وعلى طريق الازدهار والصمود». إلا أن المراقبين جددوا مخاوفهم من تصاعد أعمال العنف والاحتجاجات.‬‬

نواز المرشح المفضل للجيش

ويعتبر شريف، الذي انتهت إحدى فتراته في انقلاب عسكري، المرشح المفضل لدى المؤسسة العسكرية، كما يقول المحللون، وقد نفى الجيش في السابق دعم شريف.

وفي حديثه، يوم السبت الماضي، قال رئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال سيد عاصم منير: «إن الأمة بحاجة إلى أيدٍ مستقرة ولمسة شفاء للانتقال من سياسة الفوضى والاستقطاب التي لا تناسب دولة تقدمية يبلغ عدد سكانها 250 مليون نسمة».

واندلعت احتجاجات عنيفة بعد الانتخابات بسبب مزاعم تتعلق بتزوير الأصوات وبطء عمليات الفرز، وسط تحذيرات من لجنة حقوق الإنسان الباكستانية من أن «انعدام الشفافية» المحيط بالتأخير في إعلان نتائج الانتخابات «مثير للقلق العميق». ويعزو المحللون الغضب الواسع النطاق إلى الجهود التي تبذلها الحكومة المؤقتة في البلاد، وجيشها القوي، وهي القوة التي هيمنت لفترة طويلة على السياسة الباكستانية، لقمع خان وأنصاره، بما في ذلك من خلال «التزوير قبل الانتخابات».

محاوف غربية

وقال مايكل كوجلمان، مدير معهد جنوب آسيا في مركز ويلسون للأبحاث: «كانت هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على الدور المهيمن للجيش في السياسة الباكستانية. لقد خرج ناخبو حركة الإنصاف بأعداد كبيرة لإرسال رسالة تحد مفادها أنهم لن يسمحوا للجيش بإملاء نتيجة الانتخابات التي أرادهم أن يخسروها».

وقد أعربت حكومات أجنبية عن مخاوفها بشأن التدخل في الانتخابات الباكستانية. ودعت الولايات المتحدة إلى إجراء تحقيق في «مزاعم التدخل أو الاحتيال» المتعلقة بعمليات التصويت، وأقر ماثيو ميللر، المتحدث باسم وزارة الخارجية، بالتقييمات القائلة بأن الانتخابات «تضمنت قيوداً لا مبرر لها على حريات التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي». وقال ميللر: «نحن ندين العنف الانتخابي ونشعر بالقلق إزاء مزاعم التدخل في العملية الانتخابية». ويأتي التصويت الذي تم تأجيله لعدة أشهر، في الوقت الذي تواجه فيه باكستان تحديات متزايدة، تشمل التعثر الاقتصادي والهجمات المسلحة المتكررة، مضافة إليها الكوارث المناخية التي تعرض الفئات الأكثر ضعفاً للخطر.

ولا يزال نجم الكريكيت السابق خان (71 عاماً)، الذي أطيح به من السلطة في عاصفة من الجدل، مسجوناً، بسبب عدة إدانات، وممنوع من خوض الانتخابات ضد منافسيه. فقد مُنع حزب حركة الإنصاف من استخدام رمز مضرب الكريكيت الشهير في بطاقات الاقتراع، ما يشكل ضربة قوية للملايين من الأميين الذين قد يستخدمونه للإدلاء بأصواتهم، كما مُنعت محطات التلفزيون من بث خطب خان.

ويسعى خصمه القديم شريف (74 عاماً)، وهو سليل أسرة شريف السياسية التي تمثل النخبة، إلى تحقيق ما يمكن أن يكون عودة سياسية ملحوظة بعد سنوات من المنفى الاختياري في الخارج بعد الحكم عليه بالسجن بتهم الفساد.

وأجبرت أحكام المحكمة قبل الانتخابات، مرشحي حزب إنصاف على الترشح كمستقلين. وهذا يعني أن على الحزب أن يشعر بالقلق من أن بعض المرشحين الذين يرعاهم يمكن أن يتحالفوا مع أحزاب أخرى.

وإذا شكل حزب شريف الحكومة الجديدة فإنه سيصبح رئيساً للوزراء لفترة رابعة تاريخية. وقد اعتمد لهجة تصالحية في كلمة ألقاها قبل الانتخابات بيومين، وقال إن «جميع الأطراف يجب أن تجلس معاً، من أجل شفاء باكستان الجريحة».

وذكر أيضاً أن حزبه يحترم تفويض جميع الأحزاب، «بما في ذلك المستقلون»، في إشارة إلى المرشحين من حزب رئيس الوزراء السابق خان المسجون، والذين لم يتمكنوا من الترشح تحت اسم حزبهم.

وتؤكد حالة عدم التوافق على نتائج الانتخابات والمسار الذي قد تتخذه تطورات الأزمة، الحاجة إلى توافق سياسي على أسس وطنية يحول دون اتساع الفجوة بين القوى السياسية، وبالتالي يضع البلاد على مسار سياسي آمن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/37f9kjmj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"