عدم تبسيط القواعد تعقيد

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل أدركتَ أن الهوّة، التي تعمّقت بين العرب وتراثهم، صارت تثير قضايا إشكالاتها بلا حدود؟ لن تعوزك التجارب، مثلاً، عندما يهمّ طلاب الثانوية بالعودة إلى منازلهم، استوقف نفراً منهم، اسألهم أن يقرؤوا نصّين وجيزين، بضعة أسطر، لأبي حيّان التوحيدي من «المقابسات»، للجاحظ من «البيان والتبيين، لك أن تجرّب شيئاً من «الفصول والغايات» لأبي العلاء، بضعة أبيات لأبي تمام أو ابن الرومي، يكون الاختبار ذا وجهين: قراءة ما يخلو من الشكل والإعراب، وفهم المقاصد.

تجنّباً للالتباس، تحوّلات الدلالات ظاهرة طبيعيّة في جميع اللغات، لكن المشكلة هي أن العالم العربي لم يتطوّر في نظرته إلى تطوّر اللغة من بنيتها ودلالاتها. لو وضعت صحيفة من صحفنا اليوم، بين يدي المتنبّي، أو أبي نواس، الذي كان يسخر من الوقوف بكاءً على الأطلال (قل لمن يبكي على رسم دَرَسْ.. واقفاً، ما ضرّ لو كان جلسْ؟)، لجنّ جنونه، وهو يقرأ عربيةً لم يعرفها العرب، لا في مفرداتها ولا استعمالاتها واصطلاحاتها وتراكيبها. المشهد محال تطبيقيّاً، لكنه يرينا الفارق النجومي بين لغتنا ولغة قدمائنا. التحولات في الدلالات وتطوّرها، ليست في الشكل، وإنما في المضمون، خذ مثلاً، منذ عقود يبذل علماء من تخصصات متعددة، جهوداً مضنيةً في محاولة قراءة نصوص مكتوبة بالخط المسماري على ألواح طينيّة سومريّة، من دون توصّل إلى فكّ رموزها، رغم قدرتهم على قراءتها. للتوضيح، المعرّي عالم لغوي وأديب ألمعي، لنتخيّل هذا المشهد من الخيال العلمي المعكوس، قال له مساعده: إننا عثرنا على نص يتحدث عن شيء اسمه الحاسب، والحاسوب، فيقول المعري: الحاسب اسم فاعل من حسب، وأمّا الحاسوب فكأنه صيغة مبالغة لم تجر على ألسنة العرب، ولو ظل مليون سنة يفكّر في الحاسوب، فإنه لن يهتدي إلى الحاسوب بمعالج البيانات والبطاقة الأم ونظام التشغيل، ولو شرح له أحد المكوّنات، وأن النصوص والصور والأصوات كلها واحد وصفر، لقطع بأن الشخص عفريت من الجنّ.

الغاية هي، الحثّ على وضع القواعد في إطار زمانها، فلا يليق بأمّة مكتبة نحوها فريدة بين اللغات، وقد قامت لخدمة القرآن الكريم، لا ننس أنّ ذلك أدّى إلى تداخل الحدود بين النحو والبلاغة، هذه الملاحظة لا يدركها من لم يتصفح كتاب «معاني النحو» للعلاّمة فاضل السامرائي، وقبله، «أسرار البلاغة» لعبد القاهر الجرجاني.

لزوم ما يلزم: النتيجة الجدلية، إذا لم يدرك اللغويون هذه الضرورة الملحّة، فمن ينقذ القواعد؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/bdft2v3y

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"