عادي
لن تجد فيه روح أسامة أنور عكاشة

«الإسكندراني».. خيبة أمل

22:37 مساء
قراءة 5 دقائق
حسين فهمي والمخرج خالد يوسف أثناء التصوير

مارلين سلوم

«عن قصة وسيناريو وحوار أسامة أنور عكاشة وإخراج خالد يوسف»، هذه الكلمات تكفي كي تفتح شهية الجمهور لمشاهدة أي فيلم يحمل توقيع المؤلف الكبير الراحل عكاشة، ومعه المخرج الذي اعتز طويلاً بكونه تلميذ الأستاذ، يوسف شاهين، قبل أن يصبح بدوره أستاذاً لمخرجين شباب جدد.. وعودة خالد يوسف إلى السينما لا بد أن تترك أيضاً أثراً، فيسرع الجمهور للترحيب به، وبعمله «الإسكندراني» الذي اختار لبطولته أحمد العوضي، وزينة وبيومي فؤاد؛ فإذا توفرت كل تلك المعطيات، لا بد أن يحقق الفيلم نجاحاً منقطع النظير، ولا بد أن يكون علامة مميزة ستترك أثرها في السينما، وفي ذاكرة الجمهور، لكن ذلك لم يحصل، ولا يمكن ل«الإسكندراني» أن يكون تلك البصمة المؤثرة، بل ترك في فئة كبيرة من الناس خيبة، لدرجة أنك لا تجد فيه روح أسامة أنور عكاشة، ولا إبداع خالد يوسف.

من شاهد مسلسل «سره الباتع» الذي عرض في رمضان الماضي، توقع أن يرى إبداعاً فنياً مشابهاً لنفس المخرج خالد يوسف في فيلم «الإسكندراني»، حتى ولو اختلفت القصة، وزمنها، وطبيعتها، لكن النظرة والرؤية المتميزة للمخرج تجد مساحتها الكافية لتقديم ما هو أجمل وأفضل، علماً بأن حرية التحليق عالياً في الإخراج السينمائي تفوق مساحة العمل في المجال الدرامي التلفزيوني؛ ومنذ الإعلان عن قرب بدء عرض الفيلم، ثم انطلاقه، والكل يمنّي النفس بحجز مقعد للذهاب عالياً إلى حيث يبتعد خالد يوسف عن المألوف والسائد عادة، بجرأته في الطرح والتقديم، طال غيابه عن السينما منذ «دكان شحاته» ٢٠٠٩ و«كلمني شكراً» ٢٠١٠، لكن عودته القوية من خلال مسلسل «سره الباتع» جعلتنا نعتقد أن عودته إلى السينما ستكون مثلها، أو أكثر، لاسيما وأنه اختار قصة كتبها وكتب لها السيناريو والحوار الراحل أسامة أنور عكاشة، أي أنها جاهزة للتناول السينمائي، مع لمسات وتعديلات من المخرج. يقول خالد يوسف إنه التزم برؤية الكاتب الراحل لأنها تتوافق مع رؤيته، مضيفاً: «أعتز بكل التغييرات التي قمت بها على السيناريو»، لكن لماذا جاء العمل بارداً، رغم تناوله قصة الشاب بكر (أحمد العوضي) من الإسكندرية يتمرد على العمل مع أبيه علي الإسكندراني (بيومي فؤاد) في وكالته الشعبية لبيع السمك، محاولاً شق طريقه بالتجارة لوحده فيفشل، لذلك يهاجر إلى أوروبا مع صديقه زكي (عصام السقا)، تاركاً خلفه خطيبته قمر (زينة)، ويطول غيابه عشرة أعوام، تتغير خلالها أمور كثيرة. بداية الفيلم تعرّفنا بالحي وأهله، علي الإسكندراني وابن أخيه يونس (محمود حافظ)، الذي يعتبر مساعده، ويده اليمنى ،ويدير أمور الوكالة، بينما علي ينتظر بفارغ الصبر عودة بكر، ولم يقطع الأمل يوماً، وإذا باتصال يبلغ فيه يونس أن بكر عاد إلى مصر فتعم الفرحة..

يعود بنا المخرج إلى ما قبل الأعوام العشرة، لنرى بكر شاباً قوي البنيان، يتدرب باستمرار على الملاكمة ويكسب كل جولة أياً كان خصمه، بينما يونس يتولى كل أعمال عمه، ما يثير غضب علي الذي يطلب مراراً من ابنه استلام الوكالة عنه، وإدارة أعمالها والأموال بنفسه، لكنه يجابه برفض من بكر المتمرد الراغب في العمل في مشاريع تجارية أكبر، وتغيير مهنة التجارة بالأسماك، وتغيير نمط حياته، ما يخلق فجوة بينه وبين أبيه، ويدفع به لطلب سلفة من أجل مشروع شجعه عليه زكي، وبسبب رفض والده المستمر لمساعدته يسرق الخزنة ويخسر المشروع، فتنشب مشادة بينه وبين أبيه يلقنه على إثرها درساً ويصفعه عدة مرات أمام أهل الحي.. يحزم بكر حقيبته ويودع خطيبته قمر، ويهاجر إلى أوروبا.

أخطاء في العمل

أخطاء كثيرة يقع فيها المخرج، فهو مثلاً لم يذكر اسم البلد الذي قصده بكر، ولم نعلم إذا استقر فيه، أم انتقل إلى بلد أوروبي آخر، بل اكتفى بتصوير معالم وشوارع تاركاً للجمهور تحديد هوية المكان، كما مرّ على الشخصيات الأجنبية التي تعامل معها بكر وزكي من دون أن نحفظ أسماء، بل لم ينطق العوضي عصام السّقا أي كلام، أو حوار مع شخصيات أجنبية، مجرد لقطات تظهر تشردهما، ومحاولاتهما لإيجاد عمل حتى حظي بكر بفرصة مبارزة ملاكمين معروفين، فأصبح وصديقه حارسين مرافقين لأحد الأثرياء ويبدو أنه زعيم مافيا، وتاجر ألماس. التصوير في أوروبا ضعيف جداً، كأننا نشاهد لقطات ومقتطفات من هنا وهناك تم تركيبها لاحقاً بالمونتاج لتصبح جزءاً من الفيلم؛ في هذه الأثناء تبقى منطقة الأنفوشي في الإسكندرية على حالها ،ويبقى علي الإسكندراني مساعداً لكل من يحتاج العون، يجتمع مع رفاق عمره، وأهل جيرته الخواجة يورغو (حسين فهمي)، ومرسي (صلاح عبدالله)، وجابر (محمد رضوان)، ويتزوج يونس من قمر، وينجبان ابنهما علي، بينما تكبر إيلينا (تسنيم هاني) ابنة يورغو في كنف علي الإسكندراني بعد وفاة أبيها.. وهنا يعيدنا المخرج إلى الوقت الحالي، مع رجوع بكر متباهياً بثروته الطائلة، ومحاطاً بحراس ومرافقين.

الصراع الدائم

خلاصة ما يريد قوله أسامة أنور عكاشة واضح من الصراع الدائم بين الأب وابنه، والذي ازداد اتساعاً وشراسة بعد عودة بكر من أوروبا، فقرر أن يشتري كل شيء، المحال المحيطة بوكالة أبيه، والبيوت، ليغيّر ملامح المنطقة، ويجعلها سوقاً واحداً ضخماً، بدأه ب«الإسكندراني للتخليص الجمركي»، ولم يبق عائقاً أمامه سوى محل يورغو الذي ترفض إيلينا بيعه.. ابنة الخواجة الأجنبي تمسكت بالأصالة، وبتاريخ المكان، ومحل أبيها، بينما ابن الإسكندراني يعيش غريباً عن أهله، ويرفض تاريخه، وكل ما يمت للأصالة.. وفي الحوار محطات ومعان عميقة ومهمة، مثل قول علي «ريحة وطعم إسكندرية ما بتتغيرش».. «يخلق من الحب شيطان».. وحين اشترى ابنه المحال في الحي قال له «إوعى تكون اشتريت المرسي أبو العباس».. لم نفهم لماذا جعل المخرج من أحمد العوضي ملاكماً وركز على تصويره كأنه ظاهرة خارقة مثل سيلفستر ستالوني، في أفلامه، كما منح القتل والضرب والعنف مساحة أكبر بكثير من المضمون الدرامي الاجتماعي الذي تحمله القصة، والذي كان كفيلاً برفع الفيلم إلى مستوى الإمتاع للعقل والنظر.

مساحة العنف التي تتطلب مهارات بدنية، مناسبة لأحمد العوضي الذي لم يقدم تمثيلاً بقدر ما قدم ألعاباً بدنية، في حين قدم بيومي فؤاد أحد أهم أدواره، ويعتبر هو العمود الفقري في هذا الفيلم؛ أما زينة فباتت تراوح مكانها في التمثيل، باهتة بلا روح، تفوقت عليها تسنيم هاني التي عرفناها في مسلسل «وبينا ميعاد»، وتألقت في «الإسكندراني» متميزة عن غيرها من الممثلات فيه.

الفيلم يمر في السينما من دون بصمة تذكر، ومن دون أن تتمنى العودة لمشاهدته مرة أخرى، بل يجعلك تشك مراراً في أنه يحمل توقيع أسامة أنور عكاشة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3b9phd28

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"