أسئلة في تاريخ موسيقانا

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

لماذا أحجم القلم، على مرّ السنين، عن مقاربة هذه القضية الثقافية؟ هل تهيّب صعوبة الوصول إلى قلب البحث الشافي الضافي الكافي؟ نحن لا نعرف الكثير عن آراء أكبر أعلام أدبنا القدامى، في الموسيقى والإحساس بجمالها، بأبعادها وتجذّرها في الرياضيات والفلسفة. هذا الموضوع يحتاج إلى عمل جماعيّ.

على المتروّي ألاّ يعجل بالقول إن كتاب «الأغاني»، وعشرات المؤلفات في القيان، اللائي يقترنّ في أغلب الأحيان بالجواري، بمجالس المجون، ما يُغرق الموسيقى في وحول الأجواء الاستهلاكية. الإشكالية التي من العسير الظفر فيها بما يشفي الغليل، هي أن صفوة شعرائنا وأدبائنا لم يكونوا موسيقيين، عازفين، أو ذوي إلمام بالموسيقى. لقد ظلت هذه الظاهرة قائمةً راسخةً إلى زماننا وأيّامنا. لو سألت أبا الطيب أو أبا تمّام، عن السبب، لقال: الويل لك يا جليس المطربين والخلعاء، فأنا أعشق العزف على الحسام الصمصام على أوردة الرقاب، لا على وتر الرباب، ولا أنا لاهث خلف الرداح الرباب، «ربّة البيتِ.. تصبّ الخل في الزيتِ.. لها عشر دجاجاتٍ.. وديك حسن الصوتِ».

هل يمكن أن يخطر على البال توهّم غرام المعرّي بتقنيات العود وتحليل المقامات؟ معاذ الله، فسوف يرى نفسه هوى إلى أسفل سافلين. وماذا عن الجاحظ؟ أغرب ما نراه في فضاءات الحضارة الإسلامية أن فرصاً ثمينةً ضاعت هباءً، وكان في الإمكان أن ترتقي بالموسيقى على نحو مشرّف، يفتح أمامها دروباً راقيةً، في أوساط بالغة الأهمية، رفيعة المستوى. منها الأجواء ذات العلاقة بالملوك والأمراء، وهؤلاء لهم مجالس تلتقي فيها نخب من بينها الفلاسفة والفقهاء وعلماء اللغة وعلماء الرياضيات والفلك والأدباء، وكان في الإمكان أن تستفيد الموسيقى من شبكة العلاقات تلك. هل طاف بذهنك السؤال: أتريد أن تلتقي الموسيقى والفقه؟ في منتهى الطرافة أن الإمام مالك بن أنس، وهو ذو توجّه صارم قياساً على أبي حنيفة، كان في شبابه ميّالاً إلى أن يكون مغنيّاً، سوى أن والدته قالت له: «عليك بالفقه يا بُنيّ، فإن وجهك لا يصلح إلاّ للورع». ذلك لسوء حظ الفن. أوساط كبار المتصوفين لم تكن متيّمة بالموسيقى، بالرغم من أن محيي الدين ابن عربي، كتب الكثير من شعره الصوفي على أشكال موشّحات.

لزوم ما يلزم: النتيجة الأسفيّة: الأسس الموسيقية التي شيّدها فلاسفة الحضارة الإسلامية، نخرتها مجالس الحضيض الفنّي، فسرت عدواها إلى عصرنا.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yp64xc8w

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"