كتاب لم يُقرأ

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

في معرض الكتب المستعملة لفت نظري كتاب يدخل موضوعه في دائرة اهتماماتي الثقافية والأدبية. اقتنيت الكتاب بسعر رمزي للغاية، كما هي أسعار الكتب في معرض مثل هذا، وبعضها كتب ثمينة في المحتوى، ولو صادف أنك وجدت نسخة منه في أحد محلات بيع الكتب، فعليك أن تدفع أضعاف سعره المقرر في المعرض الذي منه اقتنيت الكتاب.

نحن جميعاً، معشر القراء، حين يشدّنا عنوان كتاب ما أو اسم مؤلفه، نذهب إلى فهرس المحتويات لنكوّن فكرة عن الموضوعات التي يتناولها، وما يثير الغضب أن دور نشر عربية مرموقة تغفل في الكثير من الحالات وضع مثل هذا الفهرس في بداية أو نهاية صفحات الكتاب. وجرياً على هذه العادة، وبعد أن أمسكت بيديّ نسخة الكتاب المشار إليه، رحت أفتش عن فهرس المحتوى، لم أجده في بداية الكتاب، ولكني وجدت فهرساً من أربعة سطور أو خمسة، هي عناوين أجزائه، في نهاية آخر فقرة من الكتاب، وفي أسفل ذات الصفحة، أي أن الناشر استكثر إضافة صفحة يخصصها لهذا الفهرس. قلت لنفسي: لا بأس! هذا أفضل من عدم وضع عناوين المحتوى.

حاولتُ بعدها، وأنا لا أزال واقفاً أمام الطاولة التي عُرضت عليها الكتب، وكان هو أحدها، أن أتصفح صفحاته، فوجدت «ملازم» الكتاب ما زالت ملصوقة في بعضها، وأنه يتعين الاستعانة بمشرط أو قلم أو آلة حادة لفتحها، أي أن الشخص الذي كان مقتنياً للكتاب وتبرّع به لمعرض الكتب المستعملة ليس فقط لم يقرأه، وإنما لم يحاول أن «يفك» صفحاته المتلاصقة. لكن هذا لم يثنني عن اقتناء الكتاب، حتى ولو لم أتمكن من إلقاء النظر السريع على مضمونه. قلتُ: العنوان وحده لافت وجاذب، ومن يدري فلعل ظني لا يخيب حول غنى مضمونه، خاصة أن اسم مترجمة الكتاب، كونه كتاباً لمؤلفين أجانب، معروف لديّ، وأثق بحسن اختياراتها.

في الصباح الباكر من اليوم التالي، أمسكت بمشرط ورحت أفتح صفحات الكتاب المتلاصقة بالتتالي، حتى باتت كل صفحاته متيسرة للتصفح. وهذا ما فعلته فعلاً، فرأيت أن فيه ما يستحق القراءة، ولكن ساعتها انشغل ذهني بأسئلة من نوع: لماذا لم يحاول مقتنيه السابق أن يفتحه على الأقل، ليقرر أيستحق أن يُقرأ أم لا؟ ولماذا اقتناه أصلاً، ما دام لم يجد في نفسه الحافز حتى لفعل هذا الشيء السهل الأولي؟

أعلم أنه نشأ لديكم فضول لمعرفة عنوان الكتاب. لن أفصح اليوم عن ذلك. لنؤجل الأمر، وأحسب أنه ستأتي فرصة للحديث عنه. ما أستطيع قوله الآن أنه صدر في عام 1975، أي قبل نحو نصف قرن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4uzkshsn

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"