انحدارات وارتقاءات في الموسيقى

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل فكّرت أوساط الثقافة والفن العربية في أسباب التردّي الذي وقع فيه الإنتاج؟ لم يحدث ذلك في الوعي النقدي. ببساطة: الإبداع والتطوير لا يريان النور إلا إذا توفر أمران: الخيال الوسيع والبحث الاستقصائي. أحد الأمرين في أوساطنا الفنية غول، والآخر عنقاء. للأسف، توارت الأفكار الموسيقية عن ساحة التلحين بعد رحيل الأساطين: السنباطي، محمد عبدالوهاب، الرحباني... دخل الذوق العربي نفق «إنتاج الألبومات»، فعلى الفن الرفيع نُطق الألبومات باللهجة المصرية:«القلبُ مات»، ولم يعد «القلب يعشق كل جميل».

المشهد كوميديا، لكنها كئيبة، فالألبوم يقوم عادةً على أغنية «تكسّر الدنيا» في زعمهم، وأغنيات إكرامها دفنها، فلا تستحق حتى عبارة المؤلف الموسيقي النمساوي «شونبرغ» الذي وصف الأغاني الحديثة بأنها كالفراشة، لا تعمّر أكثر من يوم. ذلك الصنف من الألبومات يذكّرنا بالبائعين الغشاشين في سوق الفواكه والخضار، الذين يضعون في أسفل العلبة بضاعة معطوبة «مضروبة»، وفي الأعلى ما يسرّ الناظرين. لكن عند النقد الفاحص للأغنية المحوريّة تتهاوى البهارج، فإذا بالحسناء لها طاقم أسنان، وأهداب صناعية، وباروكة، وما خفي أفظع.

المعضلة التي شكّلت كرة ثلج في العقود الأربعة الأخيرة، هي أن أكثريّة المشتغلين بالموسيقى، ليس لهم رسوخ قدم في التربية الموسيقية الأكاديمية، ولا إلمام بفلسفة الموسيقى وفلسفة الفن وعلم الجمال، فبأيّ معجزة ستتطور الموسيقى العربية؟ هنيئاً للأنعام الأسترالية الاستمتاع بروائع موتزارت، ففي تلك الربوع لا تفتر الأنغام في حظائر الأغنام، لزيادة نموّ أصوافها، كما يزداد حليب الأبقار تدفّقاً.

نحن ما كلّ ما نتمنّاه في الفنّ ندركه. مرامنا أن نرى ملحنينا قد ارتقوا إلى مستوى التأليف الموسيقي، أن يكون لنا موسيقيون يؤرخون للموسيقى مثل كورت زاكس مؤلف كتاب «تراث الموسيقى العالمية»، وموسيقيون مفكّرون مؤرخون مثل هوغو ليختنتريت صاحب واحد من أروع ما كتب في تحليل العلاقة بين «الموسيقى والحضارة». نتمنى أن نرى موسيقيينا أهلاً لكرسي جامعي مثل الفرنسي فيليب مانوري، الذي كان قبل سنوات أستاذ «الإبداع الفني» في جامعة «كوليج دو فرانس». نحلم بأن يقول موسيقيونا مثل ه.ج. ويلز: «الكون كله إيقاع، في كل أجزائه. ثمّة موسيقى للذرّات، مثلما ثمّة موسيقى للأفلاك». وقول بول كارفل: «الموسيقى تستحق أن تكون اللغة الثانية الإجبارية في جميع مدارس العالم». وقول إدوارد هيريوت: «الموسيقى رياضيات مسموعة. الرياضيات موسيقى صامتة».

لزوم ما يلزم: النتيجة المدرجية: الموسيقى مثل المطار، هي الأخرى لها «مدرج»(الأسطر الخمسة)، لذلك حلّق العمود في النهاية!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/23jh6345

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"