مقالة في أدب الاعتذار

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

القارئ المحترف، أو حتى العادي، أكثر ذكاءً ممّا يتوقع الكاتب، لا بل بعض القرّاء يقومون بصياغة ما أخفق فيه الكاتب على نحو ضمني بين القارئ وذاته القارئة، وإذا اكتشف القارئ بعض الفجوات في النص الذي بين يديه، فإنه يسارع، في القراءة، بملء هذه الفجوات، وإذا شعر القارئ أن ارتباكاً ما يعتري النص أو المقالة أو الكتابة عموماً، فإنه يسارع إلى التساؤل بينه وبين ذاته القارئة مرّة أخرى: لماذا الارتباك؟ وقعت مقالتي أمس في مثل هذه الحالة التي تشكل تساؤلاً ليس عابراً عند القارئ، ومصدر الارتباك في مقالة أمس أن الفقرتين الأخيرتين وقعتا بخطأ تقني أو فني في نهاية المقالة مع أنهما منشورتان في مقالة نشرتها قبل أيام بعنوان: «لك أخ في البرتغال»..أما الفقرة «الضحية» التي سقطت من مقالة أمس فهي على النحو التالي: «ما جدوى رسم طريق ما لم أكن قادراً على أن أسلكه؟ وحتى لو استطعت، فكيف اعرف أي اتجاه أسلك» من رواية «حياة باي» للكاتب «يان مارتل».

المباشر، والتلقائي هنا أن أُوجّه اعتذاري أنا الكاتب شخصياً إلى القارئ عن هذا الخطأ غير المقصود، ولطالما يقول الكتّاب إن القرّاء وحدهم مهما كان عددهم هم فقط «رأس المال» وهم الذخيرة، وهم العون المعنوي الرّائع للقلم الذي لا يكف عن الكتابة، ذلك، ببساطة، أن الكتابة هي حياة ومصير ووجود هؤلاء الكتّاب.

من ناحية ثانية، وجدت أن الخطأ غير المقصود هذا هو في حدّ ذاته فكرة جميلة للكتابة من جديد في هذا اليوم عن «الطريق»، وعن الاتجاه الذي يسلكه أو لا يسلكه المرء لو يعلم ما في الطريق، وما في نهايته.

لكلٍّ منّا طريقه هو لا طريق الآخرين، وحين تصبح الطريق مشكلة، كما هو الحال عند السياسي مثلاً، تراه وقد ذهب لما يُسمى «خريطة طريق» يقوم برسمها، أو يرسمها الآخرون له. وحين تصبح الطريق وعرة وغامضة أمام المسافر، تراه وقد تحوّل إلى سِواها، فليس كل طريق هي فرض عليك، والطريق ليست ملكك ولا ملْك أبيك، هي حق عام، تتكثّف فيه الفكرة البشرية التي تعني الناس والمجتمع والحياة.

وحين تصبح الطريق طويلة وخطرة أمام الفيلسوف تراه وقد قَصَّرَها بالحكمة والاكتفاء بالقليل ونعمة الهدوء، والتأمّل الذي يجعل الحياة برمّتها فكرة، وربما، قصيدة. وحين تطول طريق العاشق يصبح ممتلئاً بالأمل، فربما ذلك الحب الذي يسعى إليه إنما ينتظره هناك في نهاية الطريق.

يطيب للشعراء القول إن الطريق إلى البيت أجمل من البيت، ذلك أن الوصول دائماً هو نهاية الرحلة، وأجمل ما في الرحلة أو أجمل ما في السفر، أن لا نهاية للسفر.... وها أّنَذا أيها القارئ الصديق، قد صنعت لك مقالة عن الطريق. مقالة آمل أن لا فجوات فيها ولا تساؤلات؛ لكي احفظ رأس مالي: القارئ الذي يعرف أيّ اتجاه يسلك، وأي طريق يختار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4fuve86r

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"