أوروبا التي تبحث عن نفسها

00:14 صباحا
قراءة دقيقتين
2

مع دخول الحرب الأوكرانية عامها الثالث، ومع عجز القوات الأوكرانية عن تحقيق أي اختراق عسكري للأراضي التي احتلتها روسيا التي استعادت زمام المبادرة في الأشهر الأخيرة، ومع تصدع الموقف الغربي إزاء هذه الحرب، وعدم الوفاء بوعود الدعم الذي تحتاجه كييف للصمود، وتجميد الدعم الأمريكي عند أبواب الكونغرس، استضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الإليزيه أمس الأول قمة أوروبية للبحث فيما يمكن أن تتخذه أوروبا من خطوات لحشد الدعم المطلوب إلى أوكرانيا وعدم السماح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالانتصار.

ماكرون اعترف بأن القارة العجوز تمر ب«لحظة حرجة»، واعتبر أن أوكرانيا «تقاتل من أجل نفسها ومُثلها العليا، ومن أجل أوروبا». لكن هل تتمتع الدول الأوروبية بالقدرة والقوة على الصمود وهي تعاني أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية، وفشل في تلبية الاحتياجات العسكرية الأوكرانية؟

لعل ماكرون أراد من هذه القمة تحقيق هدفين، الأول محاولة رأب الصدع الأوروبي المنقسم حول استمرار الحرب والمضي في تقديم الدعم العسكري، والثاني تقديم نفسه على أنه الزعيم الذي يقود جهوداً أوروبية بمعزل عن الولايات المتحدة في ما يتعلق بالسياسات الأمنية الأوروبية باعتبار أن الحرب الأوكرانية تعني دول القارة أكثر من غيرها.

لكن ماكرون يعرف أيضاً أن أوروبا ليست كلها على موقف واحد بالنسبة للعديد من الأمور وخصوصاً حول الأمن الأوروبي، أو «الاستقلال الاستراتيجي» الذي يدعو إليه في إطار الأمن الأوروبي الموحد خارج المظلة الأمنية الأمريكية.

كما أنه يعرف أن روسيا لا تريد توسيع الحرب، ولا تهدد أمن أي دولة أوروبية، وأعلنت أكثر من مرة على لسان الرئيس فلاديمير بوتين وغيره من المسؤولين الروس استعدادها للتفاوض وصولاً إلى حل سياسي. كما أنه يعرف أن الدول الغربية وخصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا أجهضت مفاوضات عام 2022، لأنها تريد استمرار الحرب بهدف هزيمة روسيا وتقويض وحدتها، وبالتالي إخراجها من سباق إقامة نظام دولي جديد خارج الهيمنة الأمريكية.

ومع ذلك، فإن مسعى ماكرون لترميم الموقف الأوروبي لن يجد من يلاقيه، ذلك أن «الرتق اتسع على الراتق» ولم يعد بمقدور ماكرون أو غيره من الساسة الأوروبيين تحميل أوروبا أكثر مما تحتمل، وإن قوله «بعدم تمكين روسيا من الانتصار في أوكرانيا» قول فيه مبالغة إن لم يكن مجرد سراب، طالما أن هناك «أصواتاً كثيرة في أوروبا تطالبنا بالجلوس إلى طاولة المفاوضات» وفقاً لما قاله اندره يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني لصحيفة «موندو» الإسبانية، إضافة إلى أن القوات الأوكرانية تعاني مطالب شرهة للسلاح الذي لا تستطيع أوروبا تزويدها به، والذي لا يمكّنها من استرجاع الأرض ولكن من الصمود وعدم خسارة أراضٍ جديدة. ولذلك فإن العام الحالي سيكون أكثر صعوبة للقوات الأوكرانية، وأكثر ضموراً لأوروبا، لأن الرياح لا تجري وفق ما تشتهيها سفينة ماكرون، ولأن ما تواجهه من أعاصير يتجاوز قدرته على توجيه دفة السفينة كما يريد، وإن الإصرار على «هزيمة روسيا» بأي ثمن قد يتحول إلى صاعق يخلخل ما تبقى من تماسك أوروبي يعاني أساساً تصدعاً كبيراً لم تتمكن القمة الأخيرة من تجاوزه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2cpt7uwd

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"