عادي

«تاج العروس»..جوهرة القواميس

00:59 صباحا
قراءة 4 دقائق

الشارقة: جاكاتي الشيخ
مُؤلِّف معجم «تاج العروس من جواهر القاموس» محمد بن محمد بن عبد الرزاق الزبيدي (1145 ه / 1732م – 1205 ه /1790م)، عالمٌ لغوي وفقيه ومحّدث، اشتهر بالسيد المرتضى الحسيني الزبيدي، وهو واحد من أهم اللغويين الذين اشتغلوا على المفردة العربية وتأصيلها، يذكر أنه ولد ببلدة بلجرام الهندية، وينتهي نسبه إلى علي بن أبي طالب.

درس في بداياته على عدة شيوخ، من بينهم المحدث محمد فاخر بن يحيى، والدهلوي، ثم رحل لطلب العلم، حيث أقام بمدينة زبيد باليمن مدة طويلة حتى اشتهر ولقّب ب «الزبيدي»، وأخذ العلم عن نحو ثلاثمئة شيخ في عدة مدن، ذكرهم في كتبِه، حتى قال عن نفسه في ألفيته:

وقَلَّ أن ترى كتاباً يُعتمدْ

إلَّا ولي فيه اتصال بالسَّندْ

سافر إلى مصر، حيث سمِع من عدة شيوخ وأجازوه وشهدوا بعلمه وفضله وجودة حفظه، فاعتنى به إسماعيل كتخدا عزبان، واحتضنه وأكرمه حتى راج أمره، واشتهر ذكره بن الناس، فسافر إلى الصعيد عدة مرات، ولقي حظاً كبيراً من أعيانه وعلمائه.

وعنه وعن علمه، قال الزركلي في ترجمته: «زاد اعتقاد الناس فيه حتى كان في أهل المغرب كثيرون يزعمون أن من حج ولم يزر الزبيدي ويصله بشيء لم يكن حجه كاملاً»، وقال مُحدّث بلاد الشام عبد الرحمن الكزبري: إنه «إمام المسندين وخاتمة المحدثين»، وقال عنه العالم المغربي الحافظ بن عبد السلام الناصري في رحلته لما قدَّمه فيها: «ألفيتُه عديم النظير في كمال الاطلاع والحفظ واللغة والأنساب، فهو والله سيوطي زمانه»، وقال عنه عالم مصر محمد بن علي الشواني الأزهري: «شيخ الإسلام علامة الأنام ناشر لواء السنة المحمدية، وواصل الأسانيد النبوية أبو الجود وأبو الفيض». خلَّف الزبيدي الكثير من المؤلفات في عدة مجالات، منها: «تاج العروس من جواهر القاموس»، و«أسانيد الكتب الستة»، و«إتحاف السادة المتقين في شرح إحياء علوم الدين للغزالي»، و«عقود الجواهر المنيفة في أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة».

جهد

معجم «تاج العروس من جواهر القاموس»، واحد من أعظم كتب التراث العربي القديمة والحديثة، وأهمها، وأكثرها تداوللاً بين الخاصة والعامة، رغم أنه – كما يبدو من عنوانه - كان مجرد شرح لمعجم «القاموس المحيط» للفيروزآبادي، وذلك ما يعكس الجهد الكبير الذي بذله مؤلفه فيه، إذ اعتمد على أمهات معاجم اللغة العربية المعروفة، بالإضافة إلى روافد أخرى من علوم مختلفة ذكرها في مقدمته، في اللغة، والنحو، والقراءات، والحديث، والتاريخ، وطبقات الأعيان، والأنساب، والحيوان، والنبات، وشروح الأشعار، والطب والعقاقير، والجغرافيا.

بدأ الزبيدي تأليف معجمه حوالي سنة 1174ه، بعد قدومه إلى مصر بسبعة أعوام، وانتهى من تأليفه سنة 1188 ه، حيث استغرق نصف تلك المدة في تأليف جزئه الأول فقط، وأنهى الأجزاء التسعة الباقية في نصفها الثاني، وقد كتبه بخط يده كاملاً، بينما كان يسلّم المسودات لتلاميذه من أجل ترتيبها، حتى أتمه، وسماه «تاج العروس»، وحين أكمله جمع شيوخ العلم وطلابه في وليمة، وأطلعهم عليه، فأشادوا به وبسعة اطلاعه ورسوخه في علم اللغة، وكتبوا عليه التقاريظ النثرية والشعرية. وقد سار في منهجه على ترتيب التقفية المعتمد في «القاموس المحيط»، والمستَمَدّ من «الصحاح»، حيث يعتمد البحث فيه على النظر في الحرف الأخير من مصدر الكلمة، ثم الحرف الأول ثم الثاني، ويحتوي المعجم على 11978 جذراً، ما بين الثلاثي والرباعي والخماسي، ليكون بذلك ثاني أكبر معاجم اللغة العربية بعد «لسان العرب».

أمانة

بَدا الزبيدي أميناً في معجمه، حيث ينسب التفسير اللغوي إلى قائليه، مبيناً المصادر والمراجع التي اعتمد عليها واستمد منها مادته، وبعد إكماله وشرحه للمادة التي يقدمها الفيروز آبادي، يستدرك ما نقص من كتب اللغة والعلوم المختلفة التي يثق في محتواها، وإذا لاحظ أن الفيروز آبادي ترك مادة، ذكرها هو، كما لا ينسى التنبيه إلى المواد التي أهملها الخليل أو ابن دريد أو الأزهري أو الجوهري أو ابن سيده أو ابن منظور، مُثبتاً بذلك حرصه على ألا تبقى شاردة ولا واردة من اللغة إلا وأتى بها. وكانت بداية الاهتمام به عند إنشاء الحاكم المصري محمد بك أبو الذهب جامعه المعروف بالقرب من الأزهر، حيث عمل فيه خزانة للكتب واشترى الكثير من المصنَّفات ووضعها بها، فذكر له جلساؤه «تاج العروس»، واقترحوا عليه وضعه في تلك الخزانة، لأنه سيشكل إضافة كبيرة لها، وستنفرد به دون غيرها، فطلبه منه وعوّضه عنه مالاً كثيراً.

يقول الزبيدي، في رسالة إلى أحد شيوخه: «ومما مَنَّ الله تعالى عليّ أني كتبت على القاموس شرحاً غريباً في عشر مجلدات كوامل، جملتها خمسمئة كراس، مكثت مشتغلاً به أربعة عشر عاماً وشهرين، واشتهر أمره جداً، حتى استكتبه ملك الروم نسخة، وسلطان دارفور نسخة، وملك المغرب نسخة، ونسخة منها موجودة في وقف أمير اللواء محمد بك بمصر، وبذل في تحصيله ألف ريال، وإلى الآن الطلب من ملوك الأطراف غير متناه». كان أول من حققه مصطفى جواد لطبعة نادرة نشرتها دار الفكر في بيروت سنة 1944م، ثم تلاه في ذلك عبد الستار أحمد فراج في سلسلة مجلدات منه، شرعت حكومة الكويت في طباعتها في 35 مجلداً، طبع أولها سنة 1965م.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5c9yhckp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"