عادي
الذكاء الاجتماعي

لا تكثر العتاب

00:23 صباحا
قراءة 3 دقائق
1
سالم بن ارحمه الشويهي

د. سالم بن ارحمه
لا تجعل من العتاب منهجاً لك في الحياة، فكثرته تورث قلبك ألماً فوق ألمه، فحرّره من تلك العادة، واستبدل تغاضيك به، جرّب هذا ولن تندم مع الوقت! إن تعلّمت غضّ الطّرف سترتاح سَرِيرتك، ويهدأ قلبك، فكثرة العتاب من أسباب فقد الأحباب، قال الشاعر:

ومن لا يُغْمِضْ عينه عن صديقه

وعن بعض ما فيه يَمُتْ وهو عاتب

يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه اللّٰه: «لا أذكر قطّ أنّي عاتبتُ أحدًا، أتركُ النّاس على سجيّتهم. مَن أحسن أحسنتُ إليه، ومَن أساء عذرتُه، وإن كرّرها رحلتُ عنه بكرامة».

إذا كنت في كل الأمور معاتِباً

خليلَك لم تلقَ الذي لا تعاتبه

فعشْ واحداً أو صلْ أخاك

فإنِّه مقارفُ ذنبٍ مرةً ومجانبه

ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلُّها

كفى المرء نبلاً أن تُعدَّ معايبه

وقد ضرب لنا النبي، صلوات ربي وسلامه عليه، أروع الأمثلة حين عاتب إحدى زوجاتِه لإفشائِها سرَّه ما استقصى في عتابِه، بل «عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ» ولم يعاتبها على كل ما فعلته ولم يخبرها بجميع ما حصل منها حياءً منه وكرماً، فإِن من عادة الفضلاء التغافل عن الزلات، والتقصير في اللوم والعتاب. من الحكمة أن بعض الأمور لا يصلح فيها التغافل التام المُشعر بالغفلة، بل يُبين طرفها المشعر بالعلم، ويكتم القدر الذي لا حاجة إليه.

عند العتاب ينبغي الإيجاز والاكتفاء بأقلّ الكلام وأحسنه، والبعد عن التفاصيل لأن ذلك يفتح المجال أمام الكثير من الألفاظ التي تعمق الخلاف وتزيده قال الحسن البصري، رحمه الله-: «ما استقصى كريم قط».

ومن كمال المروءة بين الزوجين ألا يعاتب كل منهما الآخر على كل ما يراه منه من تجاوز أو تقصير.

سكّرت أنا باب العتب والنقاشات

ما عاد لي خاطر أفتش وأبرر

كثر العتب شوه جميل العلاقات

خل النوايا البيض عنّك تقرر!

والمؤمن الحقّ لا يرى لنفسه حقاً على أحدٍ، ولا يرى لنفسه فضلاً على أحدٍ، ولذا فهو كما قال ابن تيمية رحمه الله: «لا يُعاتب ولا يُطالب ولا يُضارب»

أخفي العتابَ كأنّ شيئاً لم يكن

وأنا على جمرِ الأسى أتمَلمَلُ

وحتى تحافظ على الوِّد معَ من تحب اعلم (أن ليس كل ما يُعرف يقال) ومن كمال المروءة بين الزوجين ألا يعاتب كل منهما الآخر على كل ما يراه منه من تجاوز فكثرة العتاب، تُفقد الأحباب..

وَمَنْ يَتَتبَعْ جَاهِدًا كُلَّ عَثْرَةٍ

يَجِدْهَا وَلا يَسْلَمْ لَهُ الدَّهْرَ صَاحِبُ

قال ديل كارنيجي صاحب الكتب المشهورة والأكثر مبيعاً:«لقد علمتني تجارب ثلاثين عاماً أن من الحماقة أن تلوم أحداً».

وممن لا ينبغي أن نكثر اللوم عليهم من جعلهم الله تحت أيدينا من الخدم والعمال..

فعن أنس بن مالك، قال: «خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي: أفّاً قط، ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا؟».

تأمّل: عشر سنين لم يتأفّف منه صلى الله عليه وسلم، ولم يعاتبه! على الرغم من صغر سنّ أنس والصغير لا يخلو من هفوات، إلا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم-قد تألَّفه بترك المعاتبة؛ لعلمه أنها لا تنفك عن أحد في مثل سنّه.

وبعض الناس كل حالاته عتاب على أتفه الأسباب! ولوم وتوبيخ في البيت والعمل وقبل الأكل وبعد الأكل وعند اللزوم وكأن عتابه وصفه دوائه أو حقنة وريدية !

فكل الأشياء تصيب الآخَر بالملل عند المبالغة، ويذبل أثرها عليه حين يعتادها

وكما يقال: (كثرة المساس تُبلّد الإحساس) ‏فلا تكثر العتاب

إذا أنا عاتبتُ المَلولَ فإنما

أخطُّ بأقلامي على الماء أحرُفا

وهَبْه ارعوى بعد العتاب ألم تكن

مودّته طبعًا فصارت تكلّفا؟!

فإن كان ولا بد فالعتاب مرة واحدة، فإن لم ينفع فاسمع نصيحة الشاعر:

أُعاتب المرءَ فيما جاءَ واحدةً ثم السلامُ عليه لا أعاتبهُ!

صحيح أن بعض «العتاب صابون القلوب»، غير أن كثرته تسبب حساسية في الروح، وتقرّحات في العلاقة. ويفرق الأصحاب

كفّي الملام وعلّليني

فالشك أودى باليقينِ

أرهقت روحي بالعتاب

فأمسكيه أو ذريني!

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:«‏لا تكثر العتاب فإن العتاب يورث الضغينة، وكثرته من سوء الأدب». وفي معناه المثل العربي:«كثرة العتاب تذهب المودة»

فدع العتاب فربّ شر

هاج أوله العتاب

لا تكثر العتاب على الآخرين؛ بل روّضهم ليكونوا كما تحب وهذا تماماً ما كان يفعله، النبي صلى الله عليه وسلم، مع من حوله كما في حاله مع خادمه أنس، رضي الله عنه.

واجعل العتاب آخر الحلول، وحسبك أن تعلم أنه كالعلاج الكيميائي يُستخدم بحذر ومقدار، والإكثار منه ضارّ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3n3eupta

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"