عادي
الأزمة المناخية أكدت حجم الترابط الإنساني في الإمارات

بطولات تولد من رحم الأزمات

00:16 صباحا
قراءة 5 دقائق

تحقيق: مها عادل
تكشف المواقف الصعبة، والتحديات التي نواجهها في حياتنا، معادن البشر حولنا، وتعكس كثير من المعاني الإنسانية، ففي الأزمات تتجلّى روح المجتمعات وحجم الترابط والتماسك بها، وسواء كانت شخصية، أو عامة، فإن ردود الفعل التي تتعلق بالأزمة من المحيطين تحدد إلى حد كبير صحة القيم التي نشأ الناس عليها وقوة الترابط بين الأفراد وطاقات الخير والمروءة التي يتمتعون بها، وفي مجتمعاتنا العربية تعلمنا أن «الفزعة» و«الجدعنة» و«الشهامة» ليست مجرد مفردات تأتي على لسان الناس من قبيل التفاخر، وإنما أفعال حقيقية يربى عليها الأبناء منذ نعومة أظفارهم، وتظهر تأثيراتها ونجني ثمارها وقت الأزمات والملمّات.

وفي السطور التالية نتعرف إلى قصص ومواقف عايشها البعض، كانت شاهدة على هذه الروح المتفانية التي يجدها الإنسان فيمن حوله.

تقول سحر الشريف، موظفة تقيم في دبي، عن تجربتها: «الأزمات اختبار لعلاقة الإنسان بمن حوله، فهناك من يقف بجانبك ويساندك أحياناً من دون طلب، بينما قد نجد بعض المقربين يتخلّون عن المساندة، وتأتي الشدائد لتكشف معادن الناس، وهذا حدث معي أثناء أزمة جائحة (كوفيد- 19)، عندما مرضت طفلتي الصغيرة، (5 سنوات) في منتصف الليل، وصراخها يعلو من آلام البطن المفاجئة، وكان زوجي مسافراً في رحلة عمل، وفوجئت بجارتي الهندية تطرق بابي في هذا الوقت المتأخر من الليل، لتطمئن عليَّ، بعد أن سمعت بكاء طفلتي، وتبرعت هي وزوجها لمساعدتي، ونقلانا إلى أقرب مستشفى، وهذا أنقذ حياة ابنتي التي تبين أنها كانت تعاني حالة التواء في الأمعاء، ونقلت إلى غرفة العمليات فوراً».

وتابعت: «موقف جارتي كان مفاجئاً لي، لأن علاقتنا كانت عابرة بسبب اختلاف اللغة، فأنا لا أتحدث الإنجليزية جيداً، لكنني وجدتها تصر على البقاء معي بالمستشفى حتى صباح اليوم التالي وخروج ابنتي من غرفة العمليات، رغم صعوبة ارتياد المستشفيات في تلك الفترة خوفاً من العدوى».

مساعدة الآخرين وقت الأزمة

تعاون لإنهاء الأزمة

أما مروة سعد الدين، ربة بيت وتسكن في الشارقة، فتروي بعض المواقف التي شهدتها خلال أزمة الأمطار الأخيرة بمنخفض الهدير، وتقول: «خلال هذه الأيام الصعبة التي غمرت فيه شارعنا مياه الأمطار، وتسببت أحياناً في انقطاع التيار الكهربائي، وإغلاق بعض المحلات المحيطة، وتوقف المصاعد بالبناية، أصبح من الصعب علينا أن نتحرك خارج البيت لشراء احتياجاتنا اليومية، وظهرت معادن الكثير من الناس حولنا، فقد وجدنا الكثير من الشباب يتعاونون مع رجال الدفاع المدني والشرطة الذين واصلوا الليل بالنهار لإنهاء الأزمة في أسرع وقت وبأفضل كفاءة ممكنة».

وتابعت: «رغم أنني في الأوقات العادية كنت أنتقد تجمع هؤلاء الشباب في الأرض الفضاء خلف البناية للعب الكرة جماعياً، وكنت أجد في ذلك نوعاً من الإزعاج، إلا أنني وجدت وجهاً إيجابياً آخر لتصرفاتهم وشجاعتهم خلال هذه الأيام، بعد أن نظموا أنفسهم سريعاً، وكانوا يطرقون أبواب المنازل بالبناية ليسألوا إذا كان أحد من الجيران يحتاج إلى ماء أومواد غذائية، ويستخدمون قوارب الكاياك التي يمتلكها أحدهم، ويشترون طلبات الجيران، وأعتقد أن عملهم التطوعي ساعد الكثيرين في تجاوز المرحلة الصعبة، وأشاع جواً من الدفء والتوحد في المشاعر، خصوصاً أن جهود رجال الشرطة والدفاع المدني كانت بطولية، ومثلت قدوة تحتذى لدى هؤلاء الشباب الذين كانوا من جنسيات وأعمار مختلفة».

عطل مفاجئ

أما عاطف موسى، موظف بدبي، فيشاركنا أحد المواقف التي تعرض لها خلال العام الماضي ويقول: «كنت أقود سيارتي عائداً من أبوظبي إلى منزلي في دبي بوقت متأخر من الليل، وتعطلت سيارتي فجأة على الطريق، وحاولت تفقّد المحرك، لكن من دون جدوى، وبدأ القلق يساورني، وتواصلت مع أسرتي هاتفياً لأخبرهم بتأخري، ثم بدأت أبحث عن أرقام الطوارئ والمساعدة على الطريق، لكنني تفاجأت قبل أن أجري مكالمة النجدة، بسيارة رباعية الدفع تقف جواري، ونزل منها اثنان من الشباب الإماراتيين، لتقديم المساعدة، وفحصا السيارة بسرعة، ثم تواصل أحدهما هاتفياً مع أخيه الأكبر الذي جاء إلينا مسرعاً، واتضح أنه مهندس كهرباء جاء ومعه قطعة غيار صغيرة لإعادة وصل وتثبيت البطارية، ودارت السيارة بعدها وأوصاني أن أذهب لفحص السيارة في أقرب وقت، شكرت الشباب بحرارة، وتركتهم».

وأضاف: «فوجئت بهم يهاتفونني بعد ساعة، ليتأكدوا أنني وصلت بيتي سالماً، ولم يتوقف اهتمامهم عند هذا الحد، بل وجدت الأخ الأكبر يهاتفني في صباح اليوم التالي ليقدم لي خدمة إضافية بتعريفي على ميكانيكي جيد لفحص السيارة مع توصية منه لعمل حسم خاص لي».

وتابع: «هذا الموقف لا أنساه، لأنني شعرت أنني لا يمكن أن أشعر بالوحدة على أرض الإمارات، فالمناخ المحبّ القائم على التسامح والتعايش والإخاء يجعل من الجميع إخوة وكأننا عائلة كبيرة تتعاضد وتساعد بعضها بكثير من طاقات الخير والشهامة في أي موقف».

رجال الدفاع المدني كانوا قدوة للشباب بالمساعدة
  • كيف تتشكل السلوكيات الفردية؟

يقول د.أشرف العزب، أستاذ علم الاجتماع، عن تفسير الظواهر السلوكية الفردية والجماعية وقت الأزمات: «يمكننا الاستعانة بنظرية التفاعلية الرمزية لرائدها العالم الأمريكي تشارلز كولي، وهي إطار مرجعي لفهم كيفية تشكل هذه السلوكيات الفردية، والتي تقوم على فكرة أن المعاناة والمشاعر والتفكير يتم تشكيلها وفقاً للتفاعل مع الرموز الثقافية والاجتماعية. وفي سياق أزمة جائحة (كوفيد- 19) سابقاً، وعاصفة الهدير التي شهدتها الدولة مؤخراً على سبيل المثال، فقد تضافرت الجهود الفردية، والحكومية، في سياقات تحدثت عنها النظرية تفصيلاً، ويمكن تطبيقها في نقاط:

- التواصل والتفاعل: تفاعلت الحكومة مع الشعب من خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لتوجيههم دورياً حول الإجراءات الوقائية والتدابير التي يجب اتخاذها للتصدي للجائحة، وتكرر ذلك التوجيه حول الإجراءات الوقائية والتدابير اللازمة لحماية الأنفس والممتلكات من تداعيات العاصفة.

د. أشرف العزب

- الرموز الثقافية: تُعتبر القيادة الحكومية والشخصيات العامة رموزاً في المجتمع، ويمكنها التأثير على سلوك الأفراد وتشجيعهم على الالتزام بالتوجيهات الصحية خلال الأزمات، وقد ظهرت الشجاعة والتضحية والتكاتف كرموز ثقافية مهمة، قدمت الحكومة والمواطنون والوافدون أنماطاً منها، من خلال بذل المساعدة لبعضهم، سواء عن طريق إجلاء الناس المحتجزين في المناطق المتضررة، أو تقديم المساعدة الإنسانية للمتضررين.

- التعاون والتكامل: شجعت الحكومة على التعاون والتكامل بين المواطنين والمقيمين في التصدي للجائحة، سواء من خلال التبرعات أو الالتزام بالحجر الصحي أو التطوع في الخدمة العامة، كما تم تنظيم جهود الإغاثة والدعم بشكل مشترك إبان العاصفة، للتأكد من أن المتضررين يحصلون على المساعدة التي يحتاجون إليها.

- التفاعل الاجتماعي والاقتصادي: خلال الجوائح، والكوارث الطبيعية، تحدث تغيرات في التفاعل الاجتماعي والاقتصادي، حيث يتعين على الناس التكيف مع الظروف الجديدة وتقديم الدعم لبعضهم، وظهر ذلك بوضوح في تفاعل الحكومة والجماعات المحلية والمجتمع».

التدخل السريع يأتي من المتخصصين ومن الأفراد
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yeymhtdb

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"