الفن وأثر الوقائع السياسية

00:26 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يُعقل أن يكون في العالم العربي مثقفون يتوهمون أن الفنّ لا علاقة له بالسياسة، بالجغرافيا السياسية، بالتحولات الاجتماعية، وحتى علم النفس الاجتماعي؟ لا يُستحسن استنتاج أنه لو لم تكن الثقافة مجرّد ديكور تزييني، في أذهان المثقفين أنفسهم، ما كانت الأوضاع العربية على هذه الحال من الهشاشة والرخاوة، بحيث تستسهل القوى العابثة اللهو بالخرائط، وكأنها صبيّ يلهو بتشكيل الصلصال. ليس من المنهجية، إقحام الخوض في أن الثقافة العربية لم تحسب يوماً حساباً لجعل الفكر السياسي وقضايا مقوّمات الدول، ضمن العمود الفقري للثقافة. ذلك يُفضي بنا إلى أن الولايات المتحدة، على سبيل المثال، لا التمثيل بالبلدان، أسست نظرية الثقافة الاستراتيجية، منذ بداية القرن العشرين، قُبيل الحرب العالمية الأولى، الذنب ذنب مفكّر بريطاني.

من أهمّ الوقائع التي ترينا انعكاس الأحداث الكبرى، على الآداب والفنون، الحرب العالمية الأولى بالذات. ماذا فعلت تلك الزلازل بالقارّة العجوز؟ لقد دمّرت الأشكال التي شادتها الحضارة الغربية. ما إن حطت الوغى أوزارها، وأذهل منظرها كل من زارها، حتى جنّ جنون الأدباء والفنانين، فانفلتوا من عقال العقل، وطفقوا يحطمون الحرف شعراً وقصّةً ومسرحية، ويهدمون بنى الفنون التشكيلية، بالسوريالية والتكعيبية والتجريدية، وينسفون الهياكل الكلاسيكية للموسيقى بالمونتاج وغرائبيات الإنتاج، من قوقأة الدجاج إلى قرقعات الارتجاج. إذا كان هذا الاستدلال غير قويم، فإن فلسفة الفن ستجد نفسها في حاجة إلى هذيان لا نهائي تبرّر به الانهيار المفاجئ لأساليب البناء في الآداب والفنون، بعيد الحرب العالمية الأولى. الأوساط الثقافية العربية التجديدية، كانت تابعةً للمدارس الأدبية والفنية الأوروبية، بالتالي لا يُنتظر منها أن يكون لها موقف ذاتيّ في هذا المجال.

بالمناسبة: الفيلسوف البريطاني كولن ويلسون في كتابه البديع: «سقوط الحضارة»، ينطلق من وضوح الرؤية في العصور الكلاسيكية في الأدب والفن، تدرّجاً نحو الغموض، مع ظهور الرومانسية، الانطباعية إلى الدادية، السوريالية... لكن، كيف يفسّر لنا انهيار كل الأشكال والبنى والهياكل، فجأةً، بعد سنتين من نهاية الحرب (14-18) بقنبلة الداديّة سنة 1920؟ من الصعب تصوّر أن الأوساط الإبداعية الأوروبية، صارت بين عشية وضحاها «عصفورية»، دار مجانين. مثقفون كُثر سيصبّون سيول غضبهم على هذا الاستدلال، فحتى جلال الدين الرومي يهجو الاستدلال في «المثنوي»: «قَدمُ الاستدلاليين خشبية.. والقدم الخشبية قدمٌ لا رسوخ لها».

لزوم ما يلزم: النتيجة التأجيليّة: سيل الغضب الذي سيصبّه المعترضون على القلم، سنحاول استخلاصه في «استكانة»، بلا استكانة. بإذن الله.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"