تداعيات غياب الفكر في الإعلام

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

ما الذي حدث للقلم حتى زجّ بنفسه في هذا اللُّجّ الذي يعجّ ويضجّ بكل لَجّ فجّ معوجّ، وكل رأي مرتجّ من كل فجّ؟ قال: أهكذا يكون الاستهلال في زمن صار فيه البعض يتمنى أن يصحو من النوم فيرى الهوية أثراً بعد عين؟ أفي عصر الذكاء الاصطناعي وحاسوب الكوانتوم، تروم إعادة الناس إلى مقامات الحريري؟ لكنّ القضية أبعد من التكنولوجيا، وأبعد حتى من الإيديولوجيا. أخطر من المساس باللغة، فالتاريخ البشري كله لم يعرف حروباً بسبب النحو والصرف، بينما القارّة العجوز، مهد الحضارة الغربية، وقطعاً لحدها، هي محطمة الأرقام القياسية في الحروب الدينية.

على المرء ألّا يدع الهواجس تجرفه إلى التشاؤم إذا كثر في الأمة المغرضون في تحليل التاريخ، في وسائط الإعلام والتواصل. في الحقيقة، لا يقع الذنب كله عليهم، لأن المسؤولية الأثقل تتحملها أطراف، بعضها ظاهر، وبعضها عسير تحديده. الأخير هو الطامة الكبرى، فهل يستطيع العقل العربي أن يدلّنا على حقبة النحس في تاريخنا، التي جعلت ماضينا يُقصي الفكر والفلسفة، فتستسهل التيارات المتطرفة أن تعيث فساداً باسم حريات الفكر والرأي والتعبير، واختبار صدقية الوقائع التاريخية ومرجعياتها؟ ثمّة أسئلة بسيطة، لكنّ بقاءها بلا جواب مقنع مصيبة سوداء. خذ مثلاً: في كل تاريخنا لدينا ابن رشد واحد، ومحال أن نجد له في ماضينا نظيراً، فلماذا أحرقوا كتبه، في حين احتضنت أوروبا أفكاره وبنت عليها؟

السؤال الأخير يفتح الشهية: لماذا كان المفكرون العرب، حتى بعد النصف الأول من القرن العشرين، ينشرون مؤلفاتهم بالفرنسية والإنجليزية في أوروبا، لأن العالم العربي يرفضهم ويلفظهم؟ لماذا نرى فلاسفة الغرب ومفكريه في واجهات الفضائيات حتى في نشرات الأخبار، السياسية والاقتصادية، لإيمانهم بأن الفكر مسؤول عن كل ذرّة في حياة الإنسان. أهمّ سؤالين يلخصان الفلسفة هما: من أنا، وما هو محيطي؟ أي الإنسان والكون. فضائيات عربية كثيرة تتألق في واجهاتها هزليات الفنون وهامشيات الشؤون.

لهذا، اجتاحت الأباطيل وسائط الإعلام والتواصل، متناولة التاريخ العربي الإسلامي بشتى ألوان المكر الذي لا تستطيع العامة، في أمّة اقرأ، معرفة مواضع السموم فيه، لأن الفضاء الذهني العربي لا يسمح للمفكرين الأصلاء بالمراجعة العلمية لتراثنا وتاريخنا.

لزوم ما يلزم: النتيجة التشبيهيّة: الجغرافيا السياسيّة لا تقبل الفراغ، الساحة الفكريّة أيضاً، إذا غاب المفكّر الأصيل، حضر منتحلو الفكر. يغيب القط فيحضر الفأر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/56ah2bbd

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"