عبد الإله بلقزيز

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

الاسم العربي ليس جريحاً، كاستعارة معكوسة من عبد الكبير الخطيبي، بل ها هو هذا الاسم المكوّن من حروف عربية، يجعل من باريس «عربية»، وإن على نحو مجازي. شوقي عبدالأمير يتولى منصب مدير عام معهد العالم العربي في باريس، أمين معلوف يجلس على مقعد محترم في الأكاديمية الفرنسية، وأدونيس الشاعر الأول الذي يتاح له الدخول إلى «اللوفر»، ليكتب شعر حضارات العالم من وحي أعظم الأعمال الفنية التي أنجزها العقل البشري، واليوم تختار «الألكسو» عبد الإله بلقزيز شخصية ثقافية اعتبارية، وهو يستحق هذا التقدير الثقافي العالمي وجدارته به وراءها مثقف نظيف القلم والعقل والرؤية الفكرية والنقدية.

يجمع عبد الإله بلقزيز بين الفكر والفلسفة والنقد الثقافي، وفي خلفية هذا التكوين المعرفي يظهر شاعر أو أديب، كما لو أنه يُوجّه المفكر إلى لغة صافية، طيّعة، ومرنة. لغة قلب وعقل معاً، ولذلك كان بلقزيز وما زال مقروءاً بمحبة وصداقة في الصحافة الفكرية أو السياسية أو الثقافية، من دون تلك المبالغات التي يقع فيها البعض، فيضيع الكاتب، ويضيّع معه القارئ.

مثقف عربي نوعي ونقدي بكل معنى الوصفين، ودائماً، هادئ اللغة والتحليل والرؤية، وقبل ذلك هو رجل موقف ثقافي وأخلاقي، استحق عليه الاحترام من أقلام أطياف الكتابة العربية الحقيقية والمبدئية. لم يسمح عبد الإله بلقزيز لتحوّلات وألاعيب السياسة أن تأخذه إلى وضع نفسه موضع تساؤل أو تحفظ، بل بقيت صورته العربية الثقافية في مكان الاحترام الأدبي، وقد تسلّح «على الرغم من خشونة الكلمة» بأكثر من ثقافة عائدة إلى أكثر من تاريخ، وأكثر من حضارة.

تقرأه مفكراً سياسياً، أو اجتماعياً، أو ثقافياً فلا يوقعك في مركّبات العقد المعتادة في لغة الفكر الخشبي، إن جازت العبارة، بل، يسترسل بك، ويغريك بلغته المائية (الغنائية) إلى التوغل أكثر في قراءته، وبالتالي، قراءة رموز جيله الفكري والثقافي، لتجد هوية عربية ثقافية مستقلّة، نقدية بالدرجة الأولى، وفي المستوى التقييمي نفسه لديه استقلالية في التحليل.. تحليل الظواهر الثقافية والسياسية بقلم مثقف شمولي المعرفة، قويّ الحجّة وفق العلم والنظرية والمصطلح.. أي ما مجموعه شخصية رجل في قلبه مسؤولية أخلاقية بالدرجة الأولى ناحية مفهوم الثقافة، والأدب، والفكر بالمعاني النبيلة لهذه الفضاءات الحضارية الكبرى.

تقدير عبد الإله بلقزيز من مؤسسة ثقافية رفيعة بهذه المكانة العالمية، إنما هو تقدير للثقافة العربية، وللمثقفين العرب، لكن هذا التقدير وعلى هذا النحو المستحق كان وراءه عمل الرجل نفسه على نفسه وعلى بناء شخصيته الثقافية الرفيعة هذه. إنه نموذج المثقف الذي يعمل وحسب، العمل بهدوء وبلا انقطاع تكاسلي أو مزاجي، ولم يكن ينتظر مكافأة قادمة لقاء عكوفه على نفسه، وإنما جاءته المكافأة حتى باب بيته، ومن حقه أن يكافئ نفسه هو أيضاً ويعتز بهذه الشهادة التقديرية له، وللغته العربية الفصحى التي يكتب بها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdh4n4ye

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"