انهيارات عدم فهم الثقافة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

أليس منطقيّاً أن تقودنا «تداعيات غياب الفكر في الإعلام» إلى التنقيب عمّا وراء حياكة الخطط من أسلاك متشابكة؟

يستطيع المثقفون العرب، إذا كانت القضايا الوجوديّة للأمّة تهمّهم، أن يفكّروا في إعادة الروح إلى الثقافة. قد يزعج هذا الكلام بعضهم أو جلّهم، لكنهم في الواقع أشبه بمن أمّه مصابة بألف داء، وهو صباح مساء يسرّي عنها بأن «الجنة تحت أقدام الأمّهات»، ويشدو لها «ستّ الحبايب».

على هذه الأوساط الحيوية، وتحديداً أهل البحوث والدراسات الأكاديمية العلمية، أن يسلّطوا كشّافاتهم ومجاهرهم على مدى تكامل المخططات الأجنبيّة النظرية والتطبيقية، فكلّها على الأرجح تنفيذ لبرمجة واحدة في الأساس، على طريقة «هاتها من الآخر»: «داعش»، الإرهاب، مكافحة الإرهاب، النزعات التكفيرية، أدعياء الديانات المقارنة، منتحلو نقد التاريخ والتراث... هؤلاء جميعاً أدوات تحت قبّعة ساحر واحد. فئات للقتل والدمار، وأخرى لتخريب العقول والمعنويات. يجب البحث عن مرجعيات بالغة الخطورة من طراز د.برنارد لويس، وكذلك الخبراء الجيوسياسيين والجيوستراتيجيين الراسخين في علم تمزيق الخرائط.

لا يقولنّ مثقف: إن هذه المعمعة أربعة أخماسها سياسية، بالتالي هي تتجاوز الملعب الثقافي. هنا المشكلة، إذا زلّت بالمثقف قدمه على هذا النحو، فإن مفهوم الثقافة يقع في حيص بيص. القضية ثقافية بامتياز. لو كانت سياسية بحتة، فكيف اتفق أن طاحن حبوبها وخابز دقيقها وعاجنه، هو أحد كبار مثقفيهم الذي علّمهم سحر تحويل الثقافة إلى معاول هدم للبلدان. المثقفون الذين هم على نيّاتهم، سادرون في أوهام أن الثقافة هي مستفعلن فاعلن فعول.

على المثقفين العرب أن يدركوا، عندما يتطارحون قضايا الثقافة، أن ميراثنا الثقافي، الذي تأسس على الشعر الجاهلي، يحمل في طيّاته محركات وديناموات سياسية وجيوسياسية قلّ نظيرها في آداب الشعوب والأمم. من ضحالة النقد الأدبي أن نأخذ باب الفخر في الشعر الكلاسيكي على أنه مجرّد نفش للريش «كالهرّ يحكي انتفاخاً صولة الأسد».

هل كان عبثاً أن يصدع عمرو بن كلثوم: «ملأنا البرّ حتى ضاق عنّا.. وماء البحر نملؤه سفينَا... إذا بلغ الفطامَ لنا رضيعٌ... تخرّ له الجبابر ساجدينا»؟ لماذا انقلبت الصورة أيّها المثقف العربي؟ هل هذا خيال شعريّ أن يصدح المتنبي: «أعلى الممالك ما يُبنى على الأسلِ» (الرماح العوالي)؟ هل هذه ثقافة أم بناء استراتيجي للدولة؟ وللأمّة، لمَ لا؟

لزوم ما يلزم: النتيجة الإيقاظية: على المثقفين ألاّ يقزّموا الثقافة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3et5z9uz

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"