ثيابك.. عمل فني

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

وضعت المؤرخة الفنية الأمريكية تيري ميلهاوبت (1959-2012) كتاباً جميلاً عن صناعة ثياب «الكيمونو» الياباني ونماذجه التي قالت إنها هاجرت إلى الغرب. والكتاب مع أنه بحث في تاريخ «الكيمونو» والموضة التي أنتجها في اليابان وفي العالم، هو أيضاً بحث فني جمالي تشكيلي، وتقول إن «الكيمونو»: «يجسّد بهيئته الخارجية المعروفة على شكل حرف (T) وكمّيه الواسعين الفضفاضين وقطعتي القماش الرأسيتين المنسدلتين من أعلى الكتف دولة اليابان: الحقيقية والرومانسية، المألوفة والأجنبية».

توقفت عند القانون الذي وضعته اليابان تحت مسمّى «كنز وطني حرّ»، وهو ليس قانوناً بقدر ما هو تكريم مادي ومعنوي لفنّاني «الكيمونو»، رمز اليابان التقليدي، وكان الفنان الذي يحظى بالكنز الوطني الحر قد قطع تاريخاً من حياته حافلاً بالإبداع الجمالي بدءاً من تصاميم «الكيمونو»، وإلى صباغته، وموادّه ومنها عجينة الأرز.

يشابه «الكنز الوطني الحرّ» في اليابان ما يطلق عليه اليوم في الإمارات الصناعات الأدبية والثقافية والإبداعية، وفيما كان الكنز الياباني مكانة فنية أدبية، تأخذ صيغة الصناعات الإبداعية موقع المكانة أيضاً، وإلى جانب ذلك الحماية الثقافية، إن أمكن القول، وتتضمّن الدعم المادي والمعنوي والإعلامي، محور «الكنز الوطني الحرّ» الياباني هو ثوب وقماش وصناعة «الكيمونو». والثياب الشعبية الوطنية في كل مكان في العالم هي تراث ثقافي وجزء من هويات الشعوب، وهي أيضاً علامة وطنية تؤشر على الحضارات والثقافات والمزاج الإبداعي لهذه الشعوب.

تحوّل «الكيمونو» إلى عمل فني، وفي مرحلة من مراحله الحرفية تحوّل إلى «ثوب يُقتنى» ولا «يُرتدى»، وباتت المتاحف الفنية في العالم تتسابق إلى اقتنائه، وكل قطعة منه مع تقادم الزمن تكتسب قيمة جمالية ومادية عالية، تماماً مثل الأعمال الفنية لرامبرانت، وكوخ، وبيكاسو.

في الإمارات، وفي الكثير من البلدان العربية، حوّل الفنانون الثياب ومتعلّقات الجسد من أزياء هي علامات ثقافية إلى أعمال فنية، وأوجدوا ثقافة جمالية تراثية لها مرجعيات فكرية وفلسفية استناداً إلى مفهوم «اللغة». أولاً: لغة الجسد، وثانياً: لغة الزيّ، ولنقل هنا «لغة القماش».

«القماش» فضاء خصب للرؤى الرّاشحة من أفكار الفنانين، إنها رؤى شعرية ثقافية تقع في حقل البحث الجمالي، والتاريخي.. والأنثروبولوجي، وحين يتحوّل ثوب الجسد أو ثوب الكائن البشري إلى عمل فني فهو في الوقت نفسه يتحول إلى ثقافة بصرية حيّة، وأنت حين ترتدي ثيابك أمام مرآة كل صباح، فأنت في الوقت نفسه تستعير من الفنان شيئاً من خبرته الجمالية، فتصبح أنت في حدّ ذاتك عملاً فنياً، وليس جسداً مهلهلاً معدوم الهيئة والصورة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/45j77s9f

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"