الشعر وإشكاليات التراجع والتقدم

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

ماذا أعدّ شعراؤنا لمستقبل موسيقى شعرنا؟ السؤال كان نهاية العمود أمس. لا نقول إنهم لم يفكّروا فيه، وإنما لم يخطر على بالهم. المشكلة لدى جلّ المبدعين العرب، هي تجاهل أن الإبداع يحتاج إلى علم وبحث علميّ وخطط تجريبيّة. خذ مثلاً فنّ العمارة: هل يمكن إنجاز روائع من غير فيزياء وهندسة عِماريّة؟ هل يُشاد صرح من مئة طابق برؤية جماليّة فقط؟ هل يقامر المعمارُ بحياة سكّان أربعمئة شقة؟

التيارات الحداثوية، خلطت الحابل بالنابل بغير علم. بعض روّادها الأوائل صوّروا للناشئة المنجرّين أن الهدم أيضاً إبداع، أن حريّة التعبير هي أن تفعل ما شئت بغير ضوابط، أن تكتب نصّاً من دون حاجة إلى قواعد، أن ترسم ما بدا لك وتعلنه مدرسةً جديدةً، وإذا تجرّأ على نقدك أحد فألقمه حجراً. اليوم اختلفت الصورة، أغلبية الذين انجرفوا إلى تلك الحركات الفانتازيّة، توقفوا أو تراجعوا، بل إن منهم من عاد إلى قصيدة التفعيلة وحتى العمودية. في الغرب أيضاً، وأوروبا بالذات، موطن «الصرعات»، حدثت إعادة النظر والفحص والتقويم، انتهت موجات القصيدة البصرية، قصيدة الملصقات، موسيقى المونتاج. في الفنون التشكيلية أمست السوريالية والتكعيبية وحتى التجريدية، مصنفات في أرشيفات الماضي.

لقد ثبت أن الأسواق لا تصحح نفسها بنفسها، لكن برهنت الأذواق على أنها تصحح نفسها بنفسها. الموسيقى دليل قاطع. هل كان أحد يتصوّر أن تصير لفيتنام مكانةٌ بارزةٌ على الشبكة في نشر الموسيقى السيمفونية. هذه الموسيقى الجادّة بامتياز لم تعرف انتشاراً في تاريخها كالاجتياح الكوكبي الذي نشهده اليوم. هذا انقلاب مبارك في الذوق العالمي، وهل يمكن أن ننسى تلك اللازمة التي لا يفتأ القلم يرددها: للصين خمسون مليون طفل يدرسون البيانو. انتظروا، فسوف يعلن أولئك انطلاق «مسيرة كبرى» في الموسيقى العالمية، لكنها لن تكون مسيرة بروليتاريا موسيقية. أولئك يدرسون الهارموني والكونترابانط والأشكال الموسيقية الرفيعة، ويغزون أسواق الأذواق بأجناس ليست ألعاباً بلاستيكيةً ولا بالونات.

على شعرائنا أن يدرسوا الأسئلة الجوهرية بجدّ: هل النصوص الحداثوية النثرية تمتلك أدنى مقوّمات البقاء؟ هل تستطيع دخول المناهج في الإعدادية والثانوية؟ لو كتب شعراء الأدب العالمي نصوصهم بالدادية والسوريالية وما بعد الحداثة، فهل كان يُكتب لهم دخول التاريخ؟

لزوم ما يلزم: النتيجة الانتظارية: التراجع إلى الخلف عجز عن التقدم واعتراف بالانكسار، والتقدم بغير إبداع جديد، إعلان إفلاس.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y7psn4ba

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"