التعليم كلمة سر النهضة

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

في كتابه الجديد «متاهة الضائعين.. الغرب وخصومه»، يتوقف الكاتب والمفكر الفرنسي من أصل لبناني أميل معلوف عند العديد من التجارب الشرقية الناهضة، منها مثلاً تجربة كوريا الجنوبية. ففي ستينات القرن الماضي كان معدل دخل الفرد في هذا البلد أقل من نظيره في مدغشقر وسريلانكا والصومال، وفي ظرف سنوات قليلة استطاعت كوريا أن تنهض وتتحول إلى نموذج أبهر العالم كله. ويذهب معلوف إلى أن أبرز ما يميز التجربة الكورية، أو كلمة السر في نهضتها يتمثل في التعليم، فمستويات التعليم هناك من حيث الجودة والكفاءة تتفوق على الولايات المتحدة وأوروبا.

ما يستوقف القارئ لكلام معلوف عن كوريا، ملاحظة شديدة الأهمية، وتتلخص في أن التعليم هناك روح تسري في مفاصل المجتمع بأكملها، فالفشل في التعليم ربما يدفع صاحبه إلى الانتحار، والتعليم قيمة كبرى يؤكد عليها المنتج الفني الكوري من دراما سينمائية وتليفزيونية.

لم يعرف العالم تجربة نهضوية لم يكن التعليم على رأس أولوياتها، وكان في صلب دعوات النهضويين العرب الأوائل، يكتبون عن أهميته ويطالبون بمجانيته، فلا يمكن لأمة أن تتقدم والجهل يضرب بين جنباتها. عرفنا مثل هذه الدعوات بداية من رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي وليس نهاية بطه حسين، ففي كل هذه الرؤى كان التعليم قاطرة النهضة وشرطاً أساسياً للتقدم، ولكن منذ عدة عقود يبدو أننا فقدنا الشغف بفكرة التعليم نفسها، ولن تجد عملاً فنياً درامياً يحدثك عن أهمية التعليم، بل كانت هناك فترة شهدتها السينما العربية سخرت فيها الكثير من الأفلام من المتعلمين، وروجت لأفكار محبطة، فالتعليم لا يقود صاحبه إلى الترقي الاجتماعي، بل العكس هو الصحيح، ربما أدى به إلى الفقر، والعمل الحر والاشتغال بالتجارة، حتى لو لم يحصل الإنسان على أي قدر من التعليم، والأهم لكي تتحسن أحوال الإنسان وأوضاعه، بل همشت الكثير من تلك الأعمال من أهمية العلم نفسه، ورأت أن لا قيمة أو مردود له. بالطبع كان هذا لا يؤثر في مواصلة معظم البشر في إرسال أولادهم إلى المدارس والجامعات، ولكن وبفعل عوامل أخرى عديدة تراجعت أهمية التعليم في مخيلة مجتمعاتنا.

هل المشكلة بالنسبة للتعليم في عالمنا العربي تتعلق بحجم انتشاره أم بنوعيته أم بالأهداف المطلوبة منه والواجب تحقيقها؟ أعتقد أن هناك أزمات في تلك المفاصل الثلاثة، فلا تزال هناك نسب أمية معتبرة في بلداننا العربية، وبرغم كل برامج التحديث لم نصل بعد إلى النتيجة التي نرجوها، وهي أنه لا يوجد عرب لا يجيدون القراءة والكتابة. نوعيات التعليم في بلادنا بحاجة إلى مراجعة بدورها من حيث المناهج والأدوات والمواد التي تدرس، وأن يخرج الطالب متخصصاً في علم واحد ملماً بمعارف من علوم شتى، وحتى الآن هناك حيرة في أهدافنا من وراء التعليم، هل يهمنا الابتكار والإبداع أم تكفي تلبية حاجات سوق العمل؟ وفي وسط كل ذلك لم يعد أحد يربط بين التعليم والتقدم ولم يعد أحد يتحدث عن النهضة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdpwym7p

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"