فخ يونيو المنصوب!

00:05 صباحا
قراءة 4 دقائق

قبل الهزيمة العسكرية في 5 يونيو 1967 تواترت إشارات ومعلومات أن مصر قد تتعرض لضربة عسكرية وشيكة تستهدف التخلص من جمال عبدالناصر.

بدا الوصف الأمريكي لعملية يونيو دالاً على أهدافها: «اصطياد الديك الرومي»، الذي يتيه بقيادته لحركات التحرر الوطني في العالم الثالث كله. كانت خطة العدوان تبحث عن ذريعة. بتقدير سياسي لم يكن صحيحاً وقعت مصر في الفخ المنصوب.

هذه مسؤولية «عبدالناصر» وحده. لم تأخذ القيادات العسكرية الملتفة حول المشير عبدالحكيم عامر تحذيرات الرئيس على محمل الجد.

استند عبدالناصر في تحذيره على رسالة شفاهية عاجلة نقلت إليه من الزعيم الفرنسي شارل ديغول عبر السفير المصري في باريس عبدالمنعم النجار.. أن مصر سوف تتعرض يوم 5 يونيو لضربة عسكرية كبيرة.

كان الاستخفاف مروعاً في مركز القيادة العسكرية.. «هوه يعني من أولياء الله الصالحين حتى يعرف موعد الحرب، وأنه الاثنين بالذات!».

بعد سبعة وخمسين عاماً على 5 يونيو لم يعد محتملاً تمديد حجب وثائقها الكاملة: ما الذي حدث بالضبط؟.. وأين كانت مواضع المسؤولية؟

نشر الوثائق مسألة ذاكرة وطنية ينبغي صيانتها حتى لا تتكرر أخطاء الماضي.

اتساع النظرة على القصة بكامل جوانبها يساعد على بناء ذاكرة صلبة.

الصورة الكاملة تضرب ركائز ثقافة الهزيمة، فقد نهضت مصر من جديد وأعادت بناء القوات المسلحة على أسس احترافية بإشراف كامل من عبدالناصر.

خاضت مصر حربي «الاستنزاف» و«أكتوبر» من دون أن تصل ثمار التضحيات إلى أصحابها الحقيقيين الذين عبروا الجسور.. في 1967 لم تنكسر إرادتنا السياسية. هذه حقيقة لا ينبغي التجهيل بها.

الهزيمة الحقيقية جرت بإهدار ثمار النصر العسكري في 1973 بإدارة سياسية أفضت إلى تهميش أدوار مصر وأوزانها في محيطها وعالمها بعد توقيع اتفاقية «كامب ديفيد».

لماذا لا تنشر، شأن كل دول العالم التي تحترم حق شعوبها في الاطلاع على حقائق تاريخها، وثائق حربي «يونيو» و«أكتوبر»، حتى يمكن للأجيال الجديدة أن تطلع عليها من مصادرها الأصلية؟

لماذا لا ينشر على وجه الخصوص تقرير المؤرخ العسكري المعتمد اللواء حسن البدري، بعد تحقيق وتمحيص في أوضاع الجيش ومسؤولية قياداته، الذي استخدم كمرجع رئيسي في إعادة بنائه؟

وفق القدر المتاح من المعلومات الموثقة فقد أكدت لجنة تحقيق عسكرية ترأسها الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الجديد: «في الساعة ١٢٠٠ مساء ٢٩ مايو/ أيار حضر الرئيس جمال عبدالناصر اجتماعاً في مقر القيادة العليا وقدّر رئيس الجمهورية احتمالات بدء إسرائيل للحرب بنسبة ٨٠٪».. «في اجتماع تالٍ رفع نسبة احتمالات الحرب إلى ٩٠٪». مساء ٢ يونيو/ حزيران أكد على ضرورة الاستعداد لتلقي الضربة الجوية الأولى خلال يومين.

اقترح الفريق أول صدقي محمود قائد سلاح الطيران ضربة مصرية أولى، غير أن الحال التي كان عليها السلاح دعت إلى استبعاده، كما كان من المرجح في هذه الحالة أن تتدخل الولايات المتحدة عسكرياً بحجة حماية إسرائيل من العدوان عليها.

لم يكن عبدالناصر على دراية حقيقية بما يجري داخل القوات المسلحة.. هذه حقيقة ثابتة دفعت مصر ثمنها غالياً.

عندما توافرت الذريعة بدت النتائج حتمية. كانت الذريعة، التي سوغت العدوان، إغلاق خليج العقبة أمام الملاحة البحرية الإسرائيلية.

طلبت مصر إخلاء قوات الأمم المتحدة من خط المواجهة بين طابا ورفح، غير أن السكرتير العام المساعد «رالف بانش»، أمريكي الجنسية، كان رأيه أنه لا مجال للانسحاب من جزء والبقاء في آخر- كأنه إحكام للفخ المنصوب.

أغلق خليج العقبة «تمسكاً بحق السيادة ونزولاً على مقتضيات الحرب». وهذه مسؤولية سياسية أخرى لم يجر التحسب لعواقبها وأخطارها.

تحركت قوات إسرائيلية من الشمال إلى الجنوب، حيث الجبهة المصرية، وبدا الوقوع في الفخ نهائياً والعدوان مؤكداً.

كان الأداء العسكري في مركز القيادة مزرياً، والقائد العام عاجزاً عن الاضطلاع بمهامه. لم يكن أغلب هؤلاء القادة صالحين لتولي مهامهم.

في «حرب الاستنزاف» أُسندت المهام وفق معايير الكفاءة وحدها. بلحظة الهزيمة كان من رأي عبدالناصر أن النظام الذي يفشل في صيانة التراب الوطني لا يحق له البقاء.

تقوضت شرعيته وسقط نظامه، غير أنه تبدت في تظاهرات ٩و١٠ يونيو/ حزيران شرعية مستأنفة رفضت تنحيه وفوّضته الحكم من جديد لإزالة آثار العدوان.

لم يسبق لأمة مهزومة ومجروحة في كبريائها الوطني أن راهنت على قائدها المهزوم، باعتباره أملها في رد اعتبارها وتحرير أراضيها التي احتلت... بأي قياس تاريخي فإنه حدث استثنائي.

المفاجأة أخذت عبدالناصر نفسه، الذي كان يتصور أن تُنصب له المشانق في ميدان التحرير.. لا أن تخرج الملايين تعرض المقاومة وتطالبه بالبقاء.

كانت تلك شهادة على قوة مشروعه وعمق الثقة فيه، التي أثبتت بالأدوار التي لعبها صحة رهانها عليه.

هناك من يطلب الآن تثبيت الصورة على ما جرى في 5 يونيو، كأنها فخ منصوب للإرادة الوطنية يشكك في كل قدرة على النصر الممكن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4uun7883

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"