صفقة بايدن والهدنة المحتملة

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

ربما تكون «خريطة الطريق»، التي أعلنها الرئيس الأمريكي جو بايدن حول الحرب الإسرائيلية على غزة، مقدمة لبدء عملية طويلة وشاقة لإبرام هدنة واستعادة التهدئة؛ لأنها جاءت في توقيت حرج بالنسبة إلى جميع الأطراف، ومنها الجانب الأمريكي الذي يشعر بتداعيات هذه الحرب الكارثية على المستويات الداخلية والعالمية، وفي ضوء ما تشهده إسرائيل من عزلة متزايدة وتعاطف دولي مع الشعب الفلسطيني فاق التوقعات وكسر حواجز كثيرة ظلت قائمة لعقود.

المقترح الذي أعلنه بايدن، قال إنه إسرائيلي، لكن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سارعت إلى انتقاده، ورفعت مجدداً شروطها التي فشلت في تحقيقها، وهي استعادة الرهائن، والقضاء على الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإنهاء حكم «حماس»، وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة حول الجهة الإسرائيلية التي صاغت هذه المبادرة، إذ لم يصرح بايدن بأن حكومة نتنياهو هي التي صاغتها، في الوقت الذي تشهد فيه إسرائيل موجة من التحركات بين الأحزاب والشخصيات، الداعية إلى المضي قدماً في إطار صفقة تضمن الإفراج عن الرهائن، رغم تعنت معسكر المتطرفين المتمسك بالحرب ويخشى من اليوم التالي الذي ستنجلي فيه الحقائق وتتعرى الخفايا، وبعضها سيكون صادماً وكارثياً على المشهد السياسي الإسرائيلي.

يحمل جانب من الصفقة المعلنة بصمات أزمة داخلية عميقة، سواء في الولايات المتحدة أو في إسرائيل، فبايدن، الذي تفصله ستة أشهر عن مواجهة المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، يحاول أن يحقق مكسباً سياسياً بإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، لأن هذه القضية الشائكة، وعلى خلاف الملفات الدولية الأخرى، أصبحت شأناً داخلياً أمريكياً في ضوء ما تشهده الجامعات من انتفاضة مستمرة دعماً للفلسطينيين في غزة ورفضاً لجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل. كما ألقت هذه القضية بظلالها على الإدارة الديمقراطية نفسها، فاستقال منها العشرات من الموظفين الكبار احتجاجاً على دعم نتنياهو وحكومته المتطرفة.

كما أن العزلة الدولية التي وقعت فيها واشنطن، باتت تحدياً خطراً لم تواجهه الولايات المتحدة من قبل في ضوء الموقف بمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وقرارات محكمة العدل الدولية. أما إسرائيل، فإن غياب استراتيجية واضحة في هذه الحرب، يجعل من النتائج كارثية مع صعوبة تحقيق الأهداف، وفشل سياسة الاحتواء التي حاولت حكومة نتنياهو تحقيقها في أطول حرب تخوضها إسرائيل منذ ظهورها قبل 76 عاماً، بل إن الكارثة الإنسانية التي أحدثتها بحق المدنيين، أفقدتها الكثير من الدعم الدولي، وقلبت عليها الرأي العام الدولي وجعلها دولة منبوذة بصورة دراماتيكية.

في ضوء هذه الأوضاع، جاء المقترح الأمريكي الإسرائيلي في محاولة لإنقاذ الطرفين من مستنقع غزة، ويتضمن وقف إطلاق نار مستدام وإطلاق سراح الرهائن وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة بغزة ودخول المساعدات. وهذه البنود ليست جديدة، فقد تم عرضها وإحباطها في جولات المفاوضات السابقة في القاهرة وباريس والدوحة، وها هي تعود مجدداً لتكون أرضية جديدة لمفاوضات أخرى، إذا نجت من المؤامرات والتلاعب بالألفاظ والمصطلحات. وجميع الأطراف يمكن أن تنظر إليها بإيجابية. فالحرب الإسرائيلية على غزة يجب أن تتوقف الآن، مثلما قال بايدن، وهذا ما تنتظره غزة والمنطقة برمتها إذا صدق القول وخلصت النوايا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3p5krbcz

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"