الحفاظ على الطاقة ركيزة نحو مستقبل أكثر استدامة

22:07 مساء
قراءة 4 دقائق

يوسف آل علي*

رغم القضايا البيئية الملحة التي سلطت دولة الإمارات الضوء عليها خلال مؤتمر الأطراف «COP28»، الذي انعقد في دبي أواخر العام الماضي، تبقى الحقيقة التي لا بد من التوقف عندها، وهي أن الطلب على الطاقة سيواصل الارتفاع، ولتلبية هذا الطلب المتزايد، لا بد من تضافر جهود الجميع، أفراداً ومؤسسات، خاصة تلك المؤسسات العاملة في قطاع الطاقة والتي تتبع نهجاً استراتيجياً وخطط عمل مبتكرة، من أجل الارتقاء بخدماتها، مع الوضع بعين الاعتبار أهمية تقليل الأثر البيئي لعملياتها، والحد من الانبعاثات الكربونية، من خلال الاعتماد على تقنيات مبتكرة وصديقة للبيئة، وبما يتماشى مع أهداف استراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050.

إن النمو المتسارع في الطلب على الطاقة يعود إلى عوامل عدة، بما في ذلك النمو السكاني السريع، والتوسع العمراني، والتنمية الاقتصادية، وغيرها. ونحن لابد من أن ندرك التأثيرات المتداخلة والمتبادلة لتلك العوامل وغيرها، مما يمكننا من تطبيق أعلى معايير الجودة والكفاءة التي تلبي تطلعات المتعاملين، والأفراد، والمجتمع ككل، وبما يُسهم بدوره في تحقيق الاستدامة المنشودة من جهة، ورؤية القيادة الرشيدة بشأن هذا القطاع الحيوي من جهة أخرى.

وفي ظل التزايد المستمر في عدد السكان بالمناطق الشمالية من البلاد، يشهد الطلب على الطاقة ارتفاعاً ملحوظاً في القطاعات السكنية والتجارية والصناعية. كما أن عمليات تطوير البنية التحتية، لا سيما في قطاعات النقل والتصنيع والتكنولوجيا، تؤدي بدورها إلى زيادة متسارعة في الطلب على الطاقة. من المهم أيضاً الإشارة إلى أن انتشار الأجهزة والمعدات الحديثة التي تستهلك كميات كبيرة نسبياً من الطاقة، تُسهم في زيادة استهلاك الطاقة.

لا شك أن استهلاك الطاقة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بنمو المجتمعات، وتشكل الاقتصادات المتنامية بيئة مواتية لارتفاع الطلب على مصادر الطاقة؛ لذلك لابد من أن تقوم استراتيجية عمل الجهات والشركات ذات العلاقة على تمكين المجتمعات وتزويدها بالطاقة وفق أعلى مستويات الاعتمادية والجودة، مع الحفاظ على المصادر الطبيعية والبيئية. بحيث نسعى إلى توفير الطاقة بشكلٍ أكثر ذكاءً واستدامة.

لطالما كانت كفاءة الطاقة أمراً حيوياً بالنسبة إلى الجهات العاملة في هذا القطاع بدولة الإمارات؛ لما لها من دور محوري في استدامة الموارد، وتحقيق القيمة الاقتصادية، وحماية البيئة، ودعم التقدم التكنولوجي. تتماشى كل تلك العوامل وغيرها، مع الرؤية الوطنية طويلة الأمد من أجل بناء مستقبل مزدهر ومستدام. إن التحدي الذي يواجهنا الآن، هو التأكد من أن المستهلك، يدعم تلك الجهود، من خلال الممارسات المسؤولة والرشيدة في استهلاك الطاقة الكهربائية.

لقد وُضعت بالفعل أهداف طموحة على مستوى دولة الإمارات لمواصلة الاستثمار في البنية التحتية، وتشجيع التقنيات الجديدة والمبتكرة. يأتي ذلك بالتزامن مع جهود إدراج مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة في مزيج الطاقة بالدولة. ومع ذلك، فإن التركيز يجب ألّا يقتصر فقط على جانب العرض، بل يجب أن يمتد ليشمل إدارة الطلب، في ظل أولوية الحفاظ على الطاقة المستهلكة وترشيد استخداماتها.

في طليعة هذه الجهود بدولة الإمارات، يأتي البرنامج الوطني لإدارة الطلب على الطاقة والمياه 2050، وهو مبادرة واسعة الأفق تهدف إلى إحداث تغيير جذري في كيفية استهلاكنا للطاقة واستخدامنا للمياه. يستهدف هذا البرنامج الرائد القطاعات الأكثر استهلاكاً للطاقة في الدولة، ويضع نصب عينيه هدفاً طموحاً يتمثل في خفض الطلب على الطاقة بنسبة 40%، وعلى المياه بنسبة 50% بحلول العام 2050. من خلال مبادرات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد، يسعى البرنامج إلى تحقيق التوافق مع أهداف استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 واستراتيجية الأمن المائي 2036، إضافة إلى دعم المبادرات المحلية التي تتبناها كل إمارة.

يُعَدّ هذا البرنامج بمثابة إطار فعّال للجهات العاملة في هذا القطاع الحيوي بدولة الإمارات؛ إذ يستشرف المستقبل، ويشجع على التطوير المستمر. ومن الحكمة أن تدمج الجهات هذه الطموحات في خططها التشغيلية، مع الاستناد إلى خبراتها الواسعة التي اكتسبتها على مدار سنوات عديدة، وعملها نحو استكشاف منتجات وخدمات ومشاريع واستثمارات جديدة، تدعم الجهود الوطنية في هذا القطاع، وتعود بالفائدة على المتعاملين والمجتمع. متخذة منها نقطة انطلاق ومسار عمل يحقق التميز في جميع عملياتها، وتبني مبادرات رائدة واسعة التأثير كمشروع تحلية مياه البحر «نقاء»، الذي يُعدّ واحداً من أضخم مشاريع تحلية مياه البحر بتقنية التناضح العكسي عالية الكفاءة في العالم.

ومن المشاريع الرائدة أيضاً «شركة الإمارات لمحطات شحن المركبات الكهربائية UAEV»، المشروع المشترك بين الاتحاد للماء والكهرباء ووزارة الطاقة والبنية التحتية، وهو الذي يهدف إلى توفير بنية تحتية متطورة لشحن المركبات الكهربائية في شتى أنحاء البلاد، وتسريع عملية التحول إلى وسائل نظيفة وصديقة للبيئة، وخفض انبعاثات قطاع النقل.

ومع ذلك، فإن نجاح مثل هذه المبادرات وغيرها، ومدى تحقيقها لأهدافها، لا يزال مرهوناً بسلوك المستهلكين. وفي هذا الصدد، فالأمر يتطلب اتباع نهج متعدد الأوجه يشمل تكثيف برامج التوعية الموجهة لمختلف فئات وشراح المجتمع بلا استثناء، وتزويد المستهلكين بالمعرفة اللازمة من أجل تبنيهم الممارسات الرشيدة، وتمكينهم من اتخاذ القرارات المستدامة في حياتهم اليومية.

الهدف الأساسي والأهم لتحقيق الطموحات الاستراتيجية هو ترسيخ ثقافة الاستهلاك الرشيد، وبناء وعي المستهلك، وتزويده بالمعرفة والموارد اللازمة لاتخاذ قرارات سليمة، نستطيع من خلالها جنباً إلى جنب، دعم قيادتنا الرشيدة في مسعاها لبناء مستقبل أكثر صحة ومرونة واستدامة.

*الرئيس التنفيذي لشركة الاتحاد للماء والكهرباء

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2xzkrrx3

عن الكاتب

الرئيس التنفيذي لشركة الاتحاد للماء والكهرباء

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

مقالات أخرى للكاتب