عادي
صدر في الشارقة

«الارتياح للغرباء»..الروائي جراح النفس الإنسانية

22:52 مساء
قراءة 5 دقائق
إيان مكيوان
  • الناشر: دار روايات
الشارقة: علاء الدين محمود

«الإنسان كائن اجتماعي»، لعل هذه المقولة من أكثر المقولات التي عبرت عن حقيقة الإنسان في علاقته مع الآخر، حيث يظل المرء يعلي من قيمة التواصل ويؤكد أهميته في حله وترحاله، فالإنسان الذي يحل في مكان غريب عليه، يتوق لمعرفة أهله من حيث عاداتهم وتقاليدهم، وتتملكه الرغبة في التحدث إليهم والتعرف إلى أفكارهم ورؤيتهم للحياة، وكذلك ينشئ هذا الغريب علاقة بالمكان الذي يزوره، بمعالمه وشوارعه وتأثيره على البشر الذين يقطنونه.

رواية الارتياح للغرباء، للكاتب البريطاني إيان مكيوان، الصادرة في نسختها العربية عن دار روايات، في طبعتها الأولى عام 2018، بترجمة أحمد العلي، من الأعمال السردية التي تتناول العلاقات الاجتماعية بين أناس لا تجمعهم قرابة أو صلة أو صداقة، وترصد تفاصيل بديعة وتمسك بمفارقات الحياة وسط غرباء في الشارع والسّوق والحيّ، فالسرد يدخل في دهاليز تجربة جديدة في التاريخ الإنساني، لتكون نتيجتها أنواعاً جديدة من العلاقات الاجتماعية بتصورات مختلفة عن التي يحملها المرء عادة، فالرواية تتحدث عن مغامرة حقيقية يجد أبطالها أنفسهم أمام أسئلة ومفاهيم تجارب جديدة، تمسهم من الأعماق وتقلب طرائقهم في التفكير ونظرتهم للحياة خاصة في بعدها الاجتماعي وفي إطار التواصل بين البشر.

تتحدث الرواية بشكل أساسي عن تأثير الغربة على الناس، وعن جماليات السفر والترحال، وكيف أن الغريب يبدأ بنسج خيوط علاقات مع محيطه الجديد الذي يجد نفسه فيه، في محاولة منه للاندماج مع واقعه، وتبديد اغترابه المتعاظم، عسى أن يستدل إلى طريقة لتهدئة نيران غربته ووحشته، ويحمل السرد بين طياته صوراً من الحياة والبشر، بحيث تتسرب المتعة إلى القارئ الذي يجد نفسه متورطاً مع شخوص وأبطال الحكاية، التي تحتشد بالتداعيات والحوارات وإبراز الحالات الإنسانية المختلفة.

  • حكاية
تنفتح الرواية على حكاية بطليها كولين وماري، حيث يقررا السفر لقضاء العطلة الصيفية، ويحلان في فندق في مدينة مائية، في بلد غريب يجتاحه السياح من كل حدب وصوب، وتنحصر يومياتهما في خروجهما كل ليلة من الفندق بحثاً عن مطعم أو مقهى أو من أجل التمتع بمشاهدة معالم المدينة ومراقبة سكانها، يحملان معهما خريطة توضح أنحاء المكان، إلا أنهما في إحدى الأمسيات نسيا الخريطة، وأثناء تجوالهما بلا هدى يدخلان إلى إحدى المقاهي، حيث يلتقيان بشخص يدعى روبرت، ويتعرفا عليه هو وزوجته، لتبدأ جلسة حوارية بين الأربعة امتدت لفترة من الوقت، سادها في البدء الملل، حيث حرص كل من كولين وماري، على إخفاء الكثير من التفاصيل المتعلقة بهما، فكانا يستثقلان الإجابة على أسئلة روبرت وزوجته، فلم يخبراهما عن اسميهما، وأنكرا لهما أنهما على علاقة زوجية، وأنهما لا يعيشان معاً، لينتهي ذلك الحوار الممل بعودة كولين وماري إلى الفندق.

ولكن وبعد فترة من الخروج المتكرر، ذهبا ليسلما على روبرت وزوجته، حيث كان اللقاء هذه المرة مختلفاً، فقد بدا كل من الزوجين كولين وماري ينجذبان إلى عوالم روبرت وزوجته وانداحا مع تفاصيل الحكايات والتداعيات التي جرت، حيث بدأ الجميع في التكيف مع الوضع الجديد وجرت الكثير من النقاشات والحكايات حول مواضيع متعددة مثل الحب والحياة، وبدأ الشريكان بطرح أسئلة على روبرت الذي كان يجيب بأريحية وصراحة، وكيف أنه عانى في طفولته، وكان يلجأ إلى والدته التي كانت بمنزلة الحامي له من شرور العالم الخارجي، وبخاصة من عقوبات والده له، ووصف حالته حين كان يعيش ذعراً دائماً جراء الرهاب الذي استوطن داخله، وشرع روبرت في الحديث بأريحية عن حكايات أبطالها الرجال والنساء والعلاقات بين النوعين، لقد تبددت حالة الملل التي سادت في اللقاء الأول، وتطورت العلاقة بين الجميع، ومن هنا تبدأ تفاصيل الحكاية وتشعباتها المختلفة.

  • سحر
الرواية وجدت صدى كبيراً لحظة صدورها في بريطانيا، ووصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة «المان بوكر» البريطانية عام 1981، وربما كان ذلك الاهتمام من قبل النقاد والقراء بالعمل هناك؛ أي في بريطانيا والغرب تحديداً، بسبب أنماط الحياة العصرية المهيمنة هناك، حيث سيادة ثقافة الاستهلاك والعولمة واكتظاظ المدن وضياع الأفراد والميل في كثير من الأحيان نحو العزلة، ففي مثل هذه المناخات يصبح الحديث إلى الغرباء مغرياً، حيث يتعمق العمل في قضية أن هذه اللقاءات العابرة يمكن أن يكون لها آثار غريبة، ومن الممكن أن تغير في مصير الأشخاص، وقد نجح الكاتب في التعبير عن عوالم الرواية حتى أن صحيفة نيويورك تايمز، قد تحدثت عن العمل بالقول: «القارئ لن يترك الكتاب حتى ينهيه، فهناك مشعوذ يلقي عليه سحراً»، في إشارة إلى الأسلوب الذي اتبعه إيان مكيوان، الذي وفر المتعة والإثارة والدهشة.

وتتكئ الرواية في تفاصيلها السردية على أبعاد فلسفية ونفسية، إذ ورد في التقديم لها: «تُثبت» الارتياح للغرباء، أن الآداب والعلوم الاجتماعيّة، معاً، يقدّمان فهماً جديداً لما يسمّى «أدب الكثافة الاجتماعية»، بتقديم تحليلات ومعالجات حول تفضيل الفرد الخيار النّادر على الشّائع (أو العكس)، والصّدق الحميم الذي يفيض منه مع غريبٍ ما دون أهله وأصحابه. حول علاقاته العابرة اليوميّة الحدوث (وصْلاً وقطعاً)، وشعوره بالخفّة طالما أن هويته مجهولة لمن أمامه»؛ والمقصود بأدب الكثافة الاجتماعية هو، الكتابة الإبداعية التي تتناول حياة المدن ويومياتها عبر قوة التحليل والتعمق في نفس الفرد في ذلك المحيط الهادر المحتشد بالبشر، وكيف تنشأ العلاقات، حيث يبدو أن الغرباء خيار مفضل «للفضفضة»، لأن المرء يتخلص من حمولة ماضيه وأسراره أمام الغريب الذي لا يعرف شيئاً فيصبح خفيفاً أمامه، بالتالي يصبح هنالك مجال أفضل للحوار، خاصة أن معظم هذه العلاقات عابرة يمضي فيها كل واحد إلى حال سبيله بعد اللقاء والمحادثة، والرواية تلعب على هذه النقطة تحديداً، فهناك نفور في بعض الأحيان حاجز بين الإنسان والذين يعرفهم، مهما كانت هذه العلاقة قوية، لذلك في بعض الأحيان يفضل الحديث إلى الشخص الغريب، وهنا تكمن الكثير من المفارقات الغريبة التي يحاول الكتاب أن يرصدها ويتوقف عندها تأملاً وتحليلاً عميقاً، فهي شاهد على غرابة الإنسان نفسه، لذلك فإن الروائي هنا أشبه ما يكون بجراح للنفس البشرية.

  • براعة
الرواية اعتمدت على الوصف، وإبراز الحالات النفسية الإنسانية، والصور والمشاهد، وهو الميدان الذي يبرع فيه دائماً الكاتب إيان مكيوان، المولود في عام 1948، فهو يمتلك خبرة كبيرة في الكتابة، ودقة في التصوير وصناعة الشخوص، وإلى جانب كونه روائياً، فهو أيضاً مسرحي ومنتج أفلام، وكاتب سيناريو، وعضو في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، والجمعية الملكية للأدب، وصلت العديد من أعماله ومن بينها، «الارتياح للغرباء»، و«كفارة» و«كلاب سوداء»، إلى القوائم القصيرة لجائزة «المان بوكر»، وفاز بها عام 1988 عن روايته «أمستردام».

اقتبـاســات

«ثمة جانب موحش في السفر، إنه يدفعك للثقة بالغرباء».

«ستكون النزوة دليله، ولن يأبه إن كان تائهاً أم لا، فثمة ما يُكتشف هنا».

«لابد للصمت أن ينكسر، طال الوقت أو قصر».

«المتعة تكمن في الشعور بالأمان».

«كلما كانت الأحلام بسيطة، صارت قابلة للتحقق».

«البحر في مسيره، دائماً ما يستلقي بعد المنعطف».

«إن وقعتِ في حب أحدهم، فأنتِ مستعدة لكل شيء، حتى إن أراد أن يقتلك».

«أليس أمراً عذباً عندما يخجل الرجال».

«إن أفضل الأدوار في المسرح تكتب للرجال».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2x28add9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"