ذات الدماء الثلاثة

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

تشتغل الآلة الإعلامية الأمريكية، الآن، بكثافة على صورة كامالا هاريس الحيوية، والجسدية في كل لحظة تتنقل فيها من مكان إلى آخر: في البيت الأبيض، وفي المؤتمرات الصحفية، وفي كل اشتغال إعلامي وسيكولوجي في الوقت نفسه. لا بدّ من الصورة، وزاويتها وحجمها، وكم من الممكن أن تكون صورة انطباعية بالكامل عند المشاهد الذي ينتظر الرئيس الأمريكي القادم.

سيدة سمراء جذّابة.. تضحك للكاميرا من قلبها، كما يقولون، مثلما يضحك الأفارقة ضحكهم الأبيض، لكن دمها ليس إفريقياً بالكامل، فأمّها شيمالا من الهند، أنجبت ابنتين من زوجها الجامايكي أستاذ الاقتصاد، أما الأم فقد كانت طبيبة ووالدها، جدّ كامالا هاريس، كان دبلوماسياً هندياً، والعائلة في صورتها العامّة هندوسية مثقفة وربما متعصبة لجذرها السنسكريتي.

لم تدرس كامالا هاريس أي تخصص جامعي عابر لقضاء الوقت بالنسبة إلى شابة مهاجرة هي وعائلتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بل تخصصت في الاقتصاد والعلوم السياسية، وكان يمكن أن تدخل كلية الفنون، وتتعلم الرقص، ويساعدها على هذا الخيار قامتها الطويلة وحضورها الجمالي، لكنها اختارت القانون، وسجلت في نقابة المحامين، وسوف تصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي، وربما بعد قليل من الوقت تصبح رئيسة الولايات المتحدة الأمريكية، وتنسى تماماً أنها كان من الممكن أن تكون مغنّية، حين كانت تذهب إلى الكنيسة هي وأختها مايا وتغنيان في الجوقة.

أكثر من قصة في رواية هذه المرأة التي التقطها الحظ تماماً بعد تلك الطلقة الرصاصية وربما المطاطية التي أصابت ترامب، ولكن تلك الرصاصة، أياً كان نوعها، في الحقيقة أصابت بايدن، وعليه ومن سياق الحكاية صعدت كامالا هاريس إلى المنصة، والصورة، وهي بامتياز الآن شخصية العالم. امرأة خمسينية بكل صحتها الجسدية والثقافية لا يمكن أن تتعثر على سلم طائرة، وتعرف جيداً متى وكيف تضحك للكاميرا..

كانت كامالا هاريس في الثانوية العامة تجلس في الباص العمومي الأمريكي الذي يأخذها إلى المدرسة ونسبة الركاب البيض على المقاعد كانت ٩٥٪، ولكن من يدري، فقد تجلس السيدة الإفريقية الآسيوية الأمريكية، ذات الدماء الثلاثة، فوق المقعد الأكبر في البيت الأبيض.

في حين أكتب هذا البورتريه عن السيدة التي قد تحكم أمريكا وربما تحكم العالم، تذكرت سميتها الشاعرة الهندية كامالا داس (١٩٣٤-٢٠٠٩)، ولا بد أن كامالا هاريس قرأت شيئاً من شعرها. تقول كامالا داس: «الرجل فصل من الفصول، لكنكِ أنتِ الأبدية».. فهل يا ترى ستحكم امرأة أكبر دولة في العالم بعد عشرات الرجال، وآخرهم يسيل الدم من أذنه، والثاني يحتاج إلى مساعدة على درج الطائرة؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/r59pnv3z

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"