عادي

هــل غربــت شمــس الصالونــات الأدبيــة؟

22:16 مساء
قراءة 6 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

أين ذهبت الصالونات الأدبية؟ تلك التي كانت تملأ الأمكنة في البيوت، والأندية، والمقاهي، وتذكر فيها المعرفة والثقافة، ومراجعة الكتب في شتى الضروب الإبداعية، من شعر، وسرد، وفكر، وغير ذلك، والتي كانت تشهد تبادل الأفكار والخبرات والمعارف بين المثقفين، حيث كانت المثاقفة في وقت مضى، وهو ليس ببعيد، تعتمد على تلك الصالونات التي صال وجال فيها الشعراء والأدباء، وشهدت ميلاد نجوم في سماء الإبداع، إذ كانت تلك التجربة معروفة في كثير من دول العالم العربي، والخليج، بل كان البعض منها يحمل أسماء شخصيات مشهورة في دنيا الثقافة.
الإمارات عرفت الصالونات الأدبية منذ وقت مضى، فطوال فترة السبعينيات والثمانينيات، وحتى مطلع التسعينيات من القرن الماضي، كانت تلك الملتقيات الثقافية منتشرة، ومتوهجة في كل إمارات الدولة، وكانت مسرحاً للمعرفة، والإلقاء الشعري، والتفاكر حول الأدب، إذ كان يجتمع المثقفون بشكل دوري من روائيين، وشعراء، وكتّاب، وفنانين، وغيرهم؛ بهدف عرض النتاجات الأدبية لأيٍّ منهم، ومناقشتها وتبادل الأفكار والرؤى حولها، وكان ذلك الأمر فيه الكثير من المتعة الأدبية، فقد شكلت الصالونات الحس الأدبي لدى الكثيرين، وكان سبيل بعضهم نحو المعرفة، حيث ولج الكثيرون إلى عالم الثقافة عبر بوابة تلك الملتقيات التي أثرت الساحة الإبداعية في الدولة، بل إن العديد من الشعراء والكتّاب اختبروا مواهبهم عبر تلك الصالونات، حيث كانوا يعلنون عن كتاباتهم وإبداعاتهم أمام رواد في هذا المجال، وكانت الإشادة بما يقدم الشباب هو بمثابة إجازة لهم، إضافة إلى أن تلك الصالونات كان يحضرها حتى أشخاص لا علاقة لهم بالأدب، فكانت أن رفعت من مستوياتهم وذائقتهم. 
أندية
وقد شكلت تلك الصالونات إرثاً حقيقياً، حيث بُني عليها العديد من الأشكال التي تشبهها، مثل أندية القراءة التي انتظمت الكثير من إمارات الدولة، في مؤسساتها الرياضية والثقافية، وكذلك في المنازل والمكتبات، في فترة تسعينيات القرن الماضي، واستمرت فترة من الزمان، حيث أسهمت هذه الأندية في تكوين قاعدة عريضة من القراء، والمثقفين، الذين كانوا يقصدونها من أجل التعرف إلى الإصدارات الأدبية، والفكرية، والثقافية الجديدة، وكذلك لمناقشة المؤلفات التي يطلعون عليها، وبالتالي كانت تسهم بصورة كبيرة في إثراء الواقع الثقافي في الدولة.
ولكن السؤال الذي يبدو أكثر إلحاحاً، هل لا تزال هذه الصالونات الأدبية موجودة وفاعلة ومؤثرة، هنالك الكثير من المثقفين يؤكدون ذلك الأمر، حيث يرون أن الصالونات حدثت فيها تحولات لكنها لم تختف، بظهور التكنولوجيا، والتقنيات الحديثة، وقد أشار بعض الكتاب الذين تحدثوا إلى «الخليج»، أن هناك نشاطاً كبيراً للمنتديات والصالونات الأدبية، فيما وجد البعض أن نشاط تلك الملتقيات ليس بذات الألق القديم، وأن هناك حاجة لتجديد نشاطها، بحيث تجد الاهتمام والرعاية من الأفراد، والمؤسسات الثقافية كذلك، وهناك من يرى أن شمس الصالونات قد غربت، حيث أثار السؤال عن حال تلك الصالونات الكثير من الجدل، ووجهات النظر المتباينة، خاصة في ما يتعلق بالتكنولوجيا، وعلاقتها بتلك الصالونات.
موجودة وباقية
الكاتبة ريم الكمالي، أكدت أن الصالونات الأدبية لا تزال موجودة، وباقية، وتمارس دورها وعطاءها، الإبداعي والثقافي، حيث إن الإمارات، مقارنة ببقية الدول الخليجية والعربية، تشهد نشاطاً لمثل هذه الملتقيات التي تهتم بالأدب والفكر، وهي تلعب ذات الدور الذي قامت من أجله، وتقف دليلاً على النهضة الثقافية في الدولة.

1


وشددت، على أن الصالونات منتشرة في كل إمارات الدولة، حيث تنشط في الأماكن والمقاهي العامة، والمؤسسات الثقافية، والبيوت، ومنها ما تحمل أسماء شخصيات أسست تلك المجالس، وفيها ما يوجه اهتمامه نحو قراءة الكتب بصورة دورية، إضافة إلى بقية الأنشطة الأدبية، وكذلك هناك مجالس نسائية.
وذكرت ريم الكمالي، أن هناك مجالس خاصة بالمؤسسات الثقافية في «أبوظبي»، والشارقة، ودبي، وغيرها من إمارات الدولة، مثل: «سلطان بن علي العويس الثقافية»، و«ندوة الثقافة والعلوم»، وغيرهما، حيث نجحت تلك المؤسسات في الجمع بين الحضور المباشر، وتوظيف التقنيات الحديثة، إذ يشارك في تلك الصالونات أشخاص عبر المنصات الافتراضية.
وقالت: «إننا نعيش اليوم في واقع سيادة التكنولوجيا، وكل شيء سيكون عبر الأثير من اجتماع، ولقاء، وتراسل، وغير ذلك»، مؤكدة أن الصالونات الأدبية ماضية في ذات الطريق، حيث ستنتقل في معظمها إلى العالم الافتراضي، ما عدا المجالس الخاصة بالمؤسسات الثقافية الكبيرة التي تستطيع أن تجمع بين الحضور المباشر، والبث الحي؛ وذلك يعني أن التكنولوجيا أثرت العمل الثقافي، ولم تكن خصماً له.
وخلصت ريـم الكمالـــي إلـى أن المجلـس والصالونات الأدبية، أثرت الساحة الثقافية، وأسهمت في النشاط القرائي، وشجعت على الاطلاع، وخلقت أجواء للنقاش، الأمر الذي ترتب عليه جودة في اختيار نوعية الكتب؛ إلى جانب الاطّلاع على العناوين والإصدارات الجديدة باستمرار، وقراءة مختلف أشكال الأعمال الأدبية؛ وأصبح كل ما هو جديد متوفراً في هذه الصالونات الأدبية.
شبه معدومة
الكاتب علي أبو الريش، ذكر أن المجالس الأدبية صارت شبه معدومة، ويندر وجودها، ونشاطها، وأن زمن تلك الصالونات شهد وجود عدد من المثقفين الحقيقيين من جيل الرواد، الذين امتلكوا الموهبة والتجربة في أنماط الإبداع المختلفة، من شعر، وسرد، وفكر، وغير ذلك.

1


وأوضح أبو الريش أن الزمن الحالي الذي تسود فيه قيم الاستهلاك، والذي يتسم بالسرعة في كل شيء، يصعب فيه اللقاء والاجتماع والحضور المباشر للنقاشات الأدبية والمعرفية، بالتالي اختفت تلك الصالونات الأدبية، وما عاد هناك اتجاه فاعل من قبل المثقفين نحو الثقافة وبناء جيل جديد من المبدعين والكتاب الحقيقيين، ويقول أبو الريش: «إننا نعيش الآن في زمن الخواء».
وذكر أبو الريش أن الذي ينتشر حالياً، هو ثقافة السوشيال ميديا، في زمن الفضاءات المفتوحة، ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث مكنت الكثير من فاقدي المواهب أن يدعوا معرفة الشعر والكتابة، وهو أمر يحتاج إلى وقفة من المؤسسات الثقافية، وعلى رأسها اتحاد الكتاب، لابد من أن يكون هناك نشاط شبيه بما كانت تقوم به الصالونات الأدبية القديمة في نشر الوعي.
ولفت أبو الريش، إلى أن المجالس الأدبية كانت هي الرحم الحاضن للثقافة، والوعي، والآن فإن الساحة الثقافية تفتقدها بشدة، فمواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الافتراضية لم تستطع أن تملأ فراغ تلك الصالونات، حيث اللقاء المباشر، لأن فلسفتها لا تقوم على كونها مجرد اجتماع، بل ضرورة وجودية.
وأشار أبو الريش إلى أنه لا وجود لمجالس أدبية في الوقت الحالي تمكنت من أن تفرز قدرات بشرية حقيقية تتمتع بالموهبة، والإمكانية في مجال الكتابة الإبداعيةن أو الفكر، ويقول أبو الريش: «الصالونات أصبحت مجرد جلسة أخوية للأنس وشرب الشاي والقهوة». 
روح العصر
أما الكاتب صالح كرامة، فقد ذكر أن هناك بعض الوجود للصالونات الأدبية اليوم، ولكن في إطار ضيق، مثل ذلك الذي يقيمه اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، لكنه ليس بذات الألق القديم، عندما كانت تقام المجالس الأدبية في البيوت، والأندية.

1


واستعاد كرامة ذاكرة تلك الأيام التي كانت تقام فيها المجالس الأدبية بخاصة في بيوت المثقفين، أمثال: فالح حنظل، وصالح السويدي، وغيرهما، من الكتاب والأدباء، والشعراء، الإماراتيين، حيث كانت تشهد لقاءات مهمة بين المثقفين، وكانت تحضر فيها النقاشات الرفيعة حول الأدب المحلي، والعربي، والعالمي.
وذكر كرامة، أن هنالك بعض الأنشطة حالياً، لصالونات خاصة تعقد في الشتاء عادة، لكن ليست بذات قيمة وشغف فترة السبعينيات والثمانينيات، من القرن الماضي، إذ كانت المجالس حينها رافداً أساسياً للأدب والفكر، بل وأنتجت تلك اللقاءات العديد من المواهب ممن أصبحوا نجوماً في سماء الإبداع.
وأشار كرامـــة إلـــى أن التكنولوجيا الحديثة، ومواقع التواصل الاجتماعي، هدّدت ظاهرة الصالونات الأدبية، حيث إن روح العصر مختلفة عن السابق، فالبشر صاروا في دوامة من الوقت المبدد في أشياء غير مفيدة، كما أن الوعي قد اختلف.
وأوضح كرامة أن الإنسان نفسه لم يعد كائناً اجتماعياً، كما كان في السابق، بل أصبح منكفئاً على ذاته، ومشاغله الخاصة، يعيش في عزلة رغم هدير الحياة من حوله، ولم يعد ذلك الإنسان الذي يوظف وقته للمعرفة التي صارت هي الأخرى معلبة.
مفاهيم
الناقدة زينب الياسي، أوضحت أن المجالس الأدبية أصبحت مجازية، بخاصة بعد حقبة «كورونا»، حيث أصبح نشاطها من خلال المنصات الافتراضية، وباتت لا تحمل ذات الوهج القديم الذي كان سائداً في حقبة مضت في تاريخ النشاط والفعل الثقافي في الدولة، وكذلك في كثير من بلدان العالم.

1


وأوضحت أن التقدم التقني وثورة المعلوماتية فرضا واقعاً جديداً، حيث تغير مفهوم الصالونات الأدبية، فلم تعد ذلك المكان الذي يشهد الحضور المباشر للمثقفين، بل أصبحت هناك مواقع ومنصات إلكترونية أدبية لعرض وقراءة الكتب، ومناقشتها، وتلخيصها، والاستماع إليها، مثل: انستغرام، وإكس، وفيس بوك، وغير ذلك، وهو أمر يشير إلى أن هناك تطوراً واختلافاً في أدوات الاجتماع، وذلك أثر بشكل مباشر في الطريقة القديمة المتمثلة في المجالس الأدبية بشكلها التقليدي، المتعارف عليه.
ولفتت زينب الياسي، إلى أن الصالونات بصيغتها الجديدة، تشير إلى توسع مدى الثقافة، حيث إنها تضم أشخاصاً من بلدان وخلفيات متنوعة، ومتعددة، بخاصة بعد ظهور تقنية «البودكاست»، ما أكد أن المعرفة قد اتسع مجالها، وصارت تحلّق بلا حدود، بل وتمتلك مميزات ليست موجودة في شكل المجال القديمة، وهي المتمثلة في إمكانية حفظ النقاشات، والرجوع إليها في أي وقت، ومن أي شخص يريد أن يوظفها كيفما يشاء.
وأكدت أن الصالونات والمجالس الأدبية القديمة تحتاج إلى الكثير من عوامل ووسائل الجذب، من أجل أن تشهد حضوراً مباشراً من المهتمين، فلابد من أن يكون هناك أنشطة تقوم على هامشها، مثل المسابقات، والجوائز، وحفلات التكريم، فبغير ذلك لن تكون مشجعة، ولن يمتلك المرء التحفيز الكافي لحضور مثل تلك المناسبات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2usdv3dw

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"