"الإسلاميون العصريون" في المغرب

04:36 صباحا
قراءة 4 دقائق

قبل ما يزيد قليلاً على عام واحد، أشعل الربيع العربي شرارة التغيير في مختلف أنحاء العالم العربي . وكانت الحركات الشعبية سبباً في الدفع بمجموعة من الأحزاب السياسية الإسلامية الصريحة إلى السلطة، لتحل محل الأنظمة السابقة العلمانية بصورة عامة . ولكن ماذا يعني هذا بالنسبة إلى هذه البلدان، وبالنسبة إلى المنطقة ككل؟ يظل واحداً من الأسئلة الجيوسياسية المركزية المطروحة اليوم .

في شمالي إفريقيا، وصل حزبان إسلاميان تماماً إلى السلطة عبر انتخابات ديمقراطية: حزب النهضة في تونس، حيث اندلعت شرارة الربيع العربي، وحزب العدالة والتنمية في المغرب، وكل من الحزبين يقود الآن حكومة ائتلافية جديدة .

وفي حين أفضت ثورة شعبية إلى تغيير النظام في تونس، فإن المغرب شهدت تحولاً سلمياً ترك النظام الملكي في محله . ففي يوليو/تموز الماضي، صَوَّت المغاربة بأغلبية ساحقة للموافقة على دستور جديد يقضي بنقل السلطة التنفيذية من الملك إلى رئيس الوزراء الذي سيكون الآن مسؤولاً مسؤولية كاملة عن مجلس الوزراء، وجهاز الخدمة المدنية، وتنفيذ سياسات الحكومة .

ويحتفظ الملك ببعض الصلاحيات، مثل سلطة اختيار رئيس الوزراء (من حزب الأغلبية في البرلمان) وقائد الجيش . كما يتمتع فضلاً عن ذلك، كما هي حال رؤساء الدول في الأنظمة البرلمانية الأخرى، بحق تعيين وزراء الحكومة والسفراء وحل البرلمان وإقالة مجلس الوزراء .

وفي حين استند نجاح حزب العدالة والتنمية إلى بناء المؤسسات في إطار النظام الملكي الدستوري، فإن حزب النهضة أحدث ثورة في النظام التونسي . ولكن كلاً من الحزبين فاز بعد خوض الانتخابات ببرنامج معتدل قائم على الدستورية، والفصل بين السلطات، والحريات المدنية، وحقوق المرأة .

وهذا الواقع السياسي الجديد في بلاد المغرب من شأنه أن يضع أوروبا وخاصة فرنسا، السيد الاستعماري القديم للمنطقة وجهاً لوجه مع حكومات إسلامية عازمة على تعزيز نوع جديد من العلاقات .

ولكن لايزال أمام هاتين الحكومتين الكثير من العمل في الداخل أولاً . ففي الوقت الحالي تعاني بلدان المغرب من ارتفاع معدلات البطالة والفقر إلى عنان السماء، فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية . وفي استجابة لهذه الحال، يؤكد كل من حزب النهضة وحزب العدالة والتنمية على توفير فرص العمل، والتجارة الحرة، والاستثمار الأجنبي، وشن حملة قوية ضد الفساد الذي أسقم الاقتصاد في البلدين .

إن الاختبار الرئيس الأول للبراعة الاقتصادية لأي من هاتين الحكومتين سوف يتلخص في كيفية التعامل مع صناعة السياحة . فرغم أن السياحة الغربية تشكل مصدراً بالغ الأهمية لتشغيل العمالة والعملة الأجنبية في البلدين، فإن بعض المسلمين ينتقدون هذه الصناعة، لأنها تشجع صناعة الخمور وغير ذلك من العادات الاجتماعية المتحررة التي تهدد القيم الإسلامية .

حتى الآن، اتخذ كل من حزب النهضة وحزب العدالة والتنمية موقفاً براغماتياً (عملياً) . فكل منهما يدرك أنه في حين قد يكون أنصاره من المسلمين المتدينين، فإنهم يحتاجون أيضاً إلى كسب لقمة العيش؛ فالفنادق والشواطئ الخاوية تعني كارثة اقتصادية . وعلى هذا فقد تلقى العاملون في صناعة السياحة في كل من البلدين تأكيدات قوية من الحكومة بأن صناعتهم سوف تستمر كالمعتاد .

ويتوقع بعض المحللين الأوروبيين أن يعقب هذه التغيرات السياسية في المغرب العربي قدر أعظم من الاستقرار في الأمد البعيد، وربما يعود أكثر من مليون من المهاجرين المغاربة والتونسيين العاطلين عن العمل إلى ديارهم إذا تحسنت أحوال بلديهما الاقتصادية .

بيد أن هذا يظل يشكل مسألة غير محسومة إلى حد كبير . ذلك أن الأحزاب الإسلامية سوف تحظى الآن بقدر هائل من النفوذ على السياسة الاقتصادية، بعد عشرات الأعوام من الفصل الرسمي بين الدين والدولة . وقريباً قد يتم تقديم المعاملات المصرفية الإسلامية على سبيل المثال، ولو أن بعض المستثمرين المحليين والأجانب يزعمون أن فرض أحكام الشريعة قد يؤدي إلى دفع الاستثمارات الأجنبية المطلوبة بشدة إلى الهروب . وهناك أيضاً المخاوف بشأن قدرة المسؤولين الإسلاميين عديمي الخبرة على إدارة وزارات المالية .

ولكن يبدو أن الأحزاب الإسلامية في المنطقة واعية لهذه المخاطر، وهي عازمة على التخفيف منها . ويدرك القائمون على هذه الأحزاب أنهم في احتياج إلى النمو الاقتصادي للحد من البطالة وتغطية تكاليف الخدمات الاجتماعية، لذا فهم يعملون على دعم القطاع الخاص . بل إنهم في كثير من الحالات يؤيدون ذلك النوع من سياسات السوق الحرة التي فضلها أسلافهم العلمانيون .

ينبغي لهذه السياسات أن تشتمل عل تحرير التجارة . وحتى الآن، ظل أقل من 2% من التجارة الخارجية في بلدان المغرب داخل المنطقة . وإذا تمكن زعماء المنطقة الجدد من تحقيق التكامل بين اقتصاداتها، فإن هذه السوق التي تتألف من أكثر من 75 مليون مستهلك سوف تجتذب المزيد من الاستثمار الأجنبي والتجارة مع بقية العالم .

ولكن قبل أن يتحقق أمل الوحدة الاقتصادية بين بلدان المغرب العربي، فلا بد أولاً من حل الصراعات القائمة بين هذه البلدان، مثل النزاع الجزائري المغربي على الصحراء الغربية . وخلافاً لذلك فسوف يكون من الصعب حتى أن نتصور مستقبلاً مشتركاً والذي من المرجح في غيابه أن تستمر المظالم الاقتصادية التي غذت الثورات في بلدان المغرب .

ومثلهما كمثل الإخوان المسلمين في مصر، سوف يكون لزاماً على حزب النهضة وحزب العدالة والتنمية أن يعملا على تهميش المتطرفين الإسلاميين في حركتيهما، مثل السلفيين، وأن يسارعا إلى تبني نهج براغماتي عملي . ولكي يتسنى لهما تحقيق النجاح الاقتصادي فسوف يحتاجان إلى الدعم الغربي، وبطبيعة الحال لن يكون الغرب حريصاً على تمويل حكومات إسلامية متطرفة .

من المرجح أن تخسر الأحزاب الإسلامية الحاكمة في المغرب العربي بعض مؤيديها بينما تعمل على تدبر وترتيب واقع الحياة الاقتصادية الحديثة . ولكن ما لم تكن على استعداد لقطع كل صلاتها بالماضي، فلن يكون إحراز النجاح في الحاضر من نصيبها .

رئيس مركز الشمال والجنوب للحوار بين الثقافات في المملكة المغربية والمقال ينشر بترتيب مع بروجيكت سنديكيت

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"