البيت الغربي بالشارقة يحتضن «الحارة المصرية»

معرض تشكيلي ورقصات شعبية ومأكولات
03:14 صباحا
قراءة 5 دقائق
تحقيق: علي كامل خطاب

تتمتع مصر بتراث عريق، تشكل عبر آلاف السنين، متأثراً بالعديد من الحضارات، والمراحل التي مرت بها، حتى تشكل الوجدان المصري مكوناً مزيجاً يتماشى وطبعه، ويتناسب وظروفه وثقافته وآلياته.

تراثها في مجمله يعكس عصور التقدم والازدهار، بجانب عقود الاضمحلال، فهو مزيج مما تركته على أرضها الحقب والأسر الفرعونية ثم الهكسوس، مروراً بالفرس، فالرومان، حتى استقر العرب، فعكس هذا التراث مزيجاً ندر أن تجده، فكان حامياً للطبائع من التغيير والاستبدال، وسياجاً من التبعية والانتهاء والذوبان، كما هي الحال في شعوب ذابت واضمحلت ولم يصبح لها وجود.

أولى المصريون تراثها المادي، أهمية عظمى، تمثلت في إقامة المساجد والكنائس والمعابد والزخارف، وامتهان الحرف اليدوية والصناعات التقليدية، وتشييد الكثير من المتاحف، أما ما يتعلق بالتراث غير المادي فقد دونت السير النبوية، وسير الأبطال، والكتب الجغرافية والتاريخية والأغاني الشعبية والفولكلورية القديمة، واحتفى بها المدون وأولاها أهمية كبيرة، وتناقل السلف عن الخلف فنونها وأساليبها، وتداولتها العامة والخاصة، فتناقلتها الأجيال إلى يومنا.
واهتمام الشارقة بعرض التراث العربي والعالمي على أرضها، في فعاليات يقيمها معهد الشارقة للتراث في مركز فعاليات الشارقة «البيت الغربي» بعنوان «أسابيع التراث العالمي، تعد مظهراً لحفظ الذاكرة العربية من الضياع واهتماماً بالتراث العربي والمصري، في ظل العولمة والتكتل الواضح لكيانات، لتمحو أخرى أقل تماسكاً، واستضافتها جمهورية مصر لعرض تراثها لأسبوع فرصة كبيرة للتعريف بالموروث الثقافي والتراثي المصري».
طالع الزوار لوحات المعرض التشكيلي للفنان سعد زغلول، التي أبهرت زوار «الأسبوع المصري»، لتوحي بعبقرية فريدة، وتشير إليه من غير توقيع، لتنبض بالحياة المصرية وتراثها وعاداتها واحتفالاتها، فتجدها تنطلق بألعاب الأطفال الشعبية.
زغلول الذي ظل على مدى خمسين سنة يتحدى القبح بريشته ويرفض التغريب ويتمسك بإحياء التراث والعادات والتقاليد الراسخة في أعماق أهل الجنوب،‬ استلهم لوحاته من التراث الثقافي والحياة الشعبية، ليعكس واقعاً قائماً إلى اليوم في الحارات والأزقة والطرقات، في الريف والمدن على حد سواء، وشكل بعض العادات والتقاليد التي انتهت أو كادت، ومنها ما تبقى، مجسداً إياها في صور عدة وأشكال متنوعة.
المعرض أوحى للمتلقي بحفاوة المصري بالفنون والإبداع وعكس اهتمام الفنان نفسه بالبيئة والثقافة وروافدها الإبداعية، كإحدى آليات التطور في الشخصية المصرية.

معرض الكتب

حرص الزوار على زيارة معرض الكتب الذي قدم مجموعة متنوعة من المطبوعات التي تناولت التراث المصري بكل أنواعه وأشكاله المتباينة، ومنها كتب الألعاب الشعبية، وعناوين مهمة مثل» الفنون الأدبية والشعبية، وتجليات الإعاقة في التراث المصري، الألعاب الشعبية، والأمثال الشعبية«وغيرها من العناوين.

كما تعرف الزائر الى مجموعة من المؤلفين والمهتمين بالتراث المصري والهيئات والمؤسسات التي تعنى بالتراث.
كان للحارة المصرية حضور كبير في «الأسبوع الثقافي المصري» للتعريف بها، فرأى الزوار أيقونة مصر التي تضم المنتج الشعبي بكل روافده ومظاهره، من بشر وآليات ومبان وعادات وتقاليد.
وتأتي مبادرة عرض الحارة المصرية تخوفا عليها من الاندثار، ولاسيما بعد اختفاء الكثير من أسماء الأمكنة المصرية في ظل التغير والتطور البنائي الحالي. وقدمت فعالية الحارة المصرية للزوار والضيوف مجموعة متنوعة من الأكلات الشعبية التقليدية في جو احتفالي شعبي على الطريقة المصرية، حيث انتشرت عربات الطعام الشعبي والباعة ومقدمو العصائر في المكان، ما زاد الزوار بهجة وسروراً.

كنوز بشرية

الغناء الشعبي المصري إنتاج مخيلة، عبرت عن طموحاتها وأحلامها وآلامها عبر قرون متوالية، وعلى الرغم من فقد الكثير من التراث الشعبي الغنائي، نظرا لأنها نقلت شفهيا ولم ينتبه المدون المصري لها، إلا أن أشكالها تعددت وتشكلت عبر القرون، لاسيما بعد حرص كوكبة من المثقفين والفنانين على تدوينها وحفظها وإعادة إحيائها بكل أشكالها من موسيقى شعبية وأغان وألعاب والعمل على اكتشاف عدد كبير من الكنوز البشرية والفنانين التقليديين، وما تجربة زكريا الحجاوي إلا أحد مظاهر هذا الاهتمام.

وقال طارق الدسوقي «فنان مصري، وأحد ضيوف الأسبوع الثقافي»: على الرغم من أنها المرة الأولى لي إلا أنها أثارت إعجابي، بأن تقدم أسابيع معينة بالتراث على أرض الشارقة، فالاهتمام بالتراث والموروث الشعبي هو تأكيد للهوية العربية والإسلامية ويحفظها من الضياع، إلى جانب أن الماضي دوماً شعلة تنير طريق الحاضر وتضيء المستقبل. وأضاف الدسوقي: كلما تمسكنا بالهوية كان هناك ما يميزنا عن غيرنا من الشعوب في ظل العولمة الحالية وذوبان بعض الشعوب وانقراض الكثير من العادات والتقاليد والقيم الجميلة التي يجب علينا التمسك بها ونقلها للأجيال القادمة.

كما يرى الدسوقي التميز الكبير الذي يجده الزوار لمعرض الحرف اليدوية «التلي» الذي قدم من صعيد مصر، إلى جانب معرض الفنون التشكيلية، حيث يرى أن سعد زغلول استلهم أعماله من الشخصية المصرية، ما يعد ترجمة للتراث المصري الأصيل، إلى جانب رقصات التنورة الشعبية وورش العمل وكلها مظاهر لإحياء التراث ونقله وتعريف الآخر به، بجانب وجود كوكبة من رموز الفن المصري ومحبي التراث.
وقال الدكتور رشاد محمد سالم مدير الجامعة القاسمية: إن هذه الفعاليات تعمق العلاقات بين الدولتين، وهي أحد مظاهر اهتمام صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بالتراث العربي، ولاسيما المصري، والذي يترجم على أرض الواقع. ويرى سالم أن إعطاء مصر مكانة خاصة هو ترجمة للمكانة الكبيرة التي تحتلها مصر في قلبه، وقلب كل عربي وأن تراثها موضع اهتمامه.
شاكر عبد الحميد، «وزير ثقافة مصري سابق»، قال: «الأسبوع التراثي رافد مهم للتعريف بالشعوب بعضها ببعض، وأن هذه الفعاليات هي نقطة الانطلاق للمستقبل في عرض التراث المصري وتعريف العالم به، ففي الأيام الأربعة ستكون الفعاليات، بوابة التعريف بتراثنا المصري المتنوع».

بيت التلي

قدم القائمون على «الأسبوع الثقافي المصري» للزائر خطوطاً عريضة عن الاهتمام المصري بالصناعات اليدوية، مع محاولة إعادة إنتاجها لتسهم في رفد اقتصاد الدولة وتكون نواة لصناعات متقدمة، وكان ركن التلي أهم مظاهر هذا الاهتمام. يعد التلي من أبرز أشكال التطريز الذي استخدمت فيه المرأة المصرية خيوطاً ذهبية وفضية ومن النحاس لتزين زيها التراثي في مختلف المناسبات الدينية والاجتماعية بجانب الاحتفالات الشعبية، والتي اشتهرت به محافظة أسيوط «400 كم،جنوبي القاهرة».
كان لبيت التلي الذي أقامه الفنان التشكيلي سعد زغلول دور كبير في إحياء هذا التراث القديم، بعد أن شارف على الاختفاء في أواخر النصف الأول من القرن الماضي، بسبب غلاء أسعار الذهب والفضة، ثم عاود الظهور والانتشار في جزيرة شندويل بسوهاج، بجهود الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية الى جانب جهود مؤسسات أهلية وحكومية.

عروض وأطعمة شعبية

استمتع الزوار بمجموعة متنوعة من الرقصات الشعبية التي قدمتها فرقة الجوهرة للرقصات الشعبية المصرية، ومنها «التنورة، والعصا أو التحطيب». ورقصة التنورة مستوحاة من تراث صوفي عريق تطور في مصر وله أشكال وفنون متنوعة، مصحوبا بالطبل البلدي التقليدي، وهي أحد فنون الرقص التي عرفها المصري الذي اهتم بالرقص منذ القدم، ويظهر هذا جلياً على جدران المعابد.واستمتع الزوار «لأسبوع مصر الثقافي» بالأطعمة الشعبية التقليدية المصرية، التي عكست روح التسامح في تناول الطعام فرادى وجماعات، وهي أحد مظاهر الحارة المصرية التقليدية في أبسط صورها، وتجسد القدرة على المعايشة لدى المصري في أبسط صور الحياة، وبأنواع الأطعمة التي يتم إنتاجها محلياً عن طريق الزراعة، فعربة الفول التي يجتمع إليها من نزل متأخراً من منزله للعمل، ولم يسعفه الوقت لتناول الإفطار، يقف إلى جوار آخر يتبادل معه الحديث عن أحواله، وكأن المعرفة بينهما عمرها عقود، وأنواع الأطعمة المعروضة من إنتاج محلي، من فول وحمص وعصائر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"