«خريطة طريق» للأزمة الجزائرية

03:38 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد عز العرب*

أطلق المنتدى الوطني للحوار، الذي يشكل أكبر تجمع لأحزاب المعارضة وقوى التغيير في الجزائر، في 6 يوليو الجاري، مبادرة هي أقرب إلى «خريطة طريق»؛ للخروج من الأزمة السياسية، التي تواجهها البلاد، على مدى الأشهر الخمسة الماضية.
احتوت وثيقة المنتدى، التي حملت عنوان: «مشروع أرضية الحوار الوطني لتجسّيد مطالب الشعب»، على «تشخيص للأزمة السياسية، التي تعيشها الجزائر، وأسبابها وشروط معالجتها، وكيفية الخروج منها، والآليات الدستورية لذلك»، على نحو جعلها مبادرة شاملة، حتى إنها تضمنت نقاطاً خلافية بين قوى الحراك وبعضها، أو بين قوى الحراك والمؤسسة العسكرية.
وقد تزامن مع طرح هذه المبادرة، مبادرة الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، بإجراء حوار وطني شامل، التي قبلتها قوى المعارضة، من دون مشاركة الحكومة والجيش بها؛ حيث اعتبروا أنها دعوة محمودة في حد ذاتها. كما أن عدم تحديد تاريخ مفروض للانتخابات الرئاسية؛ خطوة جيدة. علاوة على أن الاعتماد في الحوار على شخصيات ذات مصداقية؛ علامة مشجعة.
وقد دعت المبادرة، التي أطلقها «المنتدى الوطني للحوار»، إلى عدد من المقترحات، كمداخل لحل الأزمة السياسية بالجزائر؛ ومنها:
* إجراء انتخابات رئاسية خلال ستة أشهر على اعتبار أن «الانتخابات القانونية هي السبيل الوحيد للوصول إلى السلطة والتناوب عليها».
* تشكيل هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات والإشراف عليها، على أن تضم في عضويتها شخصيات «توافقية» ومن غير المتحزبين، وألا يكون قد سبق لهم المشاركة في أي استحقاقات انتخابية سابقة.
* المحافظة على حرية الإعلام العمومي والخاص، وتكريس مبدأ الحق في الوصول إلى المعلومة.
* اعتبار الجيش مؤسسة دستورية، تتمثل مهامها الدائمة في المحافظة على الاستقلال، والدفاع عن السيادة الوطنية وسلامة التراب.
* استبعاد كل رموز النظام السابق المتورطة في الفساد والمرفوضة شعبياً، وكذلك الذين دعوا للعهدة الخامسة ودعموها.
* اتخاذ جملة من الإجراءات؛ لبعث الثقة وتهيئة الأجواء الملائمة للحوار، وفتح الحقل السياسي والإعلامي، والالتزام بمواصلة تأمين المسيرات والتظاهرات الشعبية السلمية، وعدم التضييق عليها، مع ضرورة احترام حرية التعبير، ورفض كل أشكال الحد منها أو الاعتقال على أساسها.
غير أنه يواجه إنجاح تنفيذ هذه المبادرة مجموعة من التحديات الضاغطة، على النحو التالي:
1- وجود انقسام داخل الكتلة المشكلة للمنتدى الوطني للحوار بشأن «مبدأ الحوار». يعد من أبرز العقبات التي تواجه تلك المبادرة إعلان بعض الأحزاب المنضوية تحت ما يُطلق عليه «قوى البديل الديمقراطي» رفضها للحوار مع السلطة القائمة بإدارة شؤون البلاد. ومن تلك الأحزاب المعارضة: «حزب العمال»، و«التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، وحزب «جبهة القوى الاشتراكية». وتدعو هذه الأحزاب إلى ضرورة الذهاب نحو تشكيل مجلس تأسيسي، وترفض الذهاب مباشرة نحو إجراء انتخابات رئاسية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه قد لا تتوافق هذه المطالب مع ما تدعو إليه قوى التغيير التي ستشارك في منتدى الحوار الوطني، لا سيما أنها ستركز على كيفية الاتفاق بشأن خريطة طريق موحدة؛ بهدف إجراء انتخابات رئاسية بضمانات ملموسة، وهو ما يفسر تضمن خريطة الطريق لشرح مفصل للهيئة المستقلة؛ لتنظيم الانتخابات، وتصور حول كيفية عملها، وضمان استقلالها عن الحكومة، وتعديل قانون الانتخابات.
2- الخلاف حول الإفراج عن السجناء السياسيين، فعلى الرغم من أنه قد تم تجاوز هذه النقطة؛ فإنها سوف تكون محط خلاف في الفترة المقبلة؛ حيث يستغلها ممثلو تيارات الإسلام السياسي كفرصة لهم، على نحو ما جرى في بعض دول الثورات العربية، في موجتها الأولى لعام 2011. فقد طالبت حركة مجتمع السلم بالإفراج عنهم كشرط لقبول حوار السلطة.
وسجن أيضاً المناضل خضر بورقعة؛ بتهمة «إضعاف معنويات الجيش». كما يقصد بذلك المئات من نشطاء الحراك الشعبي، خاصة لرافعي راية الأمازيغ، الذين اعتقلتهم أجهزة الأمن وسجنهم القضاء؛ بتهمة «تهديد الوحدة الوطنية». أما حزب طلائع الحريات الذي يقوده رئيس الوزراء الجزائري السابق علي بن فليس فيرفض هذه الفكرة، ويعد أن وصف المسجونين السياسيين لا ينطبق على هؤلاء المعتقلين؛ لأنهم ليسوا سجناء رأي على حد تعبيره.
3- غياب مشاركة بعض رموز المعارضة السياسية، وهو ما انطبق على جبهة القوى الاشتراكية؛ (التي تعد أقدم حزب معارض في الداخل الجزائري)، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وحزب العمال. ويرى قادة هذه الأحزاب أن المشاركين في طرح هذه المبادرة يخدمون السلطة القائمة، ويساعدونها في البحث عن مخرج من الأزمة التي تواجهها البلاد.
4- موقف المؤسسة العسكرية من خطة الطريق؛ إذ تقترح الوثيقة تهيئة الأجواء للانتخابات الرئاسية في ظرف ستة أشهر، مع استبعاد مصطلح «المرحلة الانتقالية»، الذي تصر قيادة أركان الجيش برئاسة قايد صالح على رفضه، واستبدال «مرحلة ممهدة للانتخابات» به. كما تعد مسألة إقصاء رموز النظام السابق إحدى النقاط الخلافية، وتحديداً موقع قائد الجيش قايد صالح؛ إذ تعده بعض قوى المعارضة ركناً رئيسياً من أركان نظام بوتفليقة، وهو ما ينبغي رحيله. فيما يرى جزء آخر من قوى الحراك قايد صالح، الضمان الأساسي لمرافقة الحراك؛ لتحقيق انتقال سلس إلى السلطة، لا سيما أن الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد، يدفع إلى التغاضي عن ماضيه كعضو فاعل في نظام بوتفليقة.
خلاصة القول تمثل مبادرة المنتدى الوطني للحوار امتداداً لقائمة المبادرات الوطنية، التي سبق طرحها بعد استقالة الرئيس السابق بوتفليقة، غير أن ما يميزها المشاركة الواسعة لأحزاب المعارضة على اختلاف توجهاتها الأيديولوجية، وكذلك مشاركة عدد من الشخصيات السياسية ذات الثقلين الشعبي والسياسي داخل المجتمع الجزائري؛ حيث تحدد رؤية واضحة تتعلق بتشكيل حكومة انتقالية، وإجراء انتخابات خلال ستة أشهر، كما أنها تتوافق مع مبادرة الرئيس المؤقت، وتأكيده عدم اشتراك الرئاسة أو المؤسسة العسكرية في الحوار، وتأكيد تلازم الحلول السياسية والدستورية.
ولعل ذلك يزيد من احتمالات فرص نجاح هذه المبادرة؛ لإخراج البلاد من أزمتها السياسية الراهنة، شريطة تجاوز القضايا الخلافية السابق ذكرها، وبصفة خاصة موقف الجيش منها، حتى لا تستمر البلاد في متاهة الانتقال.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية- مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"